للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سقى الله بالزَّوراءِ من جانب الغَربِ … مَهًا وردتْ عينَ الحياةِ من القلبِ

وأثَّرَ أثارًا جميلة، وأجرى الماء إلى عرفاتٍ أيَّامَ الموسمِ من مكانٍ بعيدٍ، وعَمِلَ الدَّرَج من أسفلِ الجبلِ إلى أعلاه، وبنى سورَ المدينة النَّبويَّةِ، وما كان خَرِبَ من مسجدِها الشريف، وكانَ يحملُ في كلِّ سنةٍ إلى الحرمين، والقُصَّاد لا غير، وتنوَّعَ في فعلِ الخير، حتَّى إنَّه جاءَ في زمنه بالموصلِ غلاءٌ مفرِطٌ، فواسى الناسَ بحيثُ لم يبقَ له شيءٌ، وكانَ إقطاعُهُ عُشر مُغلِّ البلاد على عادة وزراء الدَّولة السَّلجوقيَّةِ، ولنفادِ ما مَعَهُ حكى بعض وُكلائِهِ: أنه دخل عليه يومًا فناوله بَقْياره (١)، فقالَ له: بع هذا، واصرفْ ثمنَه إلى المحاويج، فقالَ له الوكيلُ: إنَّهُ لم يبقَ عندك سواهُ، والذي على رأسك، وإذا بعتَ هذا ربما تحتاج أن تغيِّرَ الذي على رأسك، فلا تجد ما تلبَسُهُ، فقال له: إنَّ هذا الوقتَ صَعْبٌ كما ترى، وربما لا أجد وقتاً مثله، وأمَّا البَقْيَارُ فإني أجد عِوَضَهُ كثيرًا، فخرجَ الوكيلُ فباعَهُ، وتصدَّق بِثَمَنِهِ، إلى غيرِها من النَّوَادِرِ، واستمرَّ كذلك حتَّى ماتَ مخدومُه غازي، وقامَ مِن بعده أخوه قطبُ الدِّين مودودٌ (٢)، فاستولى عليه مُدَّةً، ثمَّ إنه استكثرَ إقطاعَهُ (٣)،


(١) البَقيار: كلمةٌ فارسية، وهي عمامةٌ كبيرة يعتمرها الوزراء والقضاة والكتَّاب. "تكملة المعاجم العربية" ١/ ٤٠٧، و"معجم أسماء الألبسة"، لدوزي، ص: ٨٤، ٨٥.
(٢) مودود ابن الأتابك زنكي، سلطان الموصل، لا بأس بسيرته، وهو الذي نكب وزيرهم الجواد، استمر ملكه/ ٢٢/ سنة، توفي ٥٦٥ هـ. "الروضتين" ١/ ١٨٦، و"وفيات الأعيان" ٥/ ٣٠٢، و"سير أعلام النبلاء" ٢٠/ ٥٢١.
(٣) الكلمة في الأصل غير واضحة، وذكرناها هنا من "الوافي" لتطابق الكلام.