للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كانَ جدُّه أبو منصور فهَّاد (١) السلطانِ ملكشاه بنِ ألبِ رسلانَ السلجوقيِّ، فتأدَّب ولده عليٌّ، وسَمَتْ هِمَّتُهُ، واشتهر أمرُه، وخَدَمَ [في] مناصبَ عليَّةٍ، وصاهرَ الأكابِرَ، فلمَّا وُلِدَ له صاحبُ الترجمة عُنِيَ بتأديبه وتهذيبِهِ، ثمَّ رُتِّبَ في ديوان العَرْضِ للسلطانِ محمودِ بنِ محمدِ بنِ ملكشاه، فظهرَتْ كِفَايَتُهُ، وحُمِدَتْ طَرِيْقَتُهُ، فلمَّا تولَّى أتابك زنكي بعدُ، واستقرَّ الموصلُ، وما والاها استخدمَهُ وقرّبَهُ، واستصحبَهُ معه إليها، فولَّاه نَصِيبينَ، ثمَّ الرَّحبَةَ، وأبانَ في كلِّ هذا عن كفايةٍ وعِفَّةٍ، وخفَّ على قلبه، فصارَ من خواصِّه وأكبرَ، بل جعله مُشرِفَ مملكتِهِ كلِّها، وحكَمَهُ تحكيمًا لا مزيدَ عليه، فلّمَا قُتِلَ على قلعةِ جعبرَ أرادَ بعضُ العسكرِ قتلَ هذا، ونهبَ أموالِهِ، فعرضوا له، ورَمَوا خيمته بالنُّشَّابِ، فحماه جماعةٌ من الأمراء، وتوجَّه بالعسكرِ إلى الموصل، فرتَّبه سيفُ الدين غازي بنُ أتابكَ زنكي في وزارَتِهِ، وفوَّض إليه الأمرَ شريكًا لغيره، فجادَ بالأموالِ، وبالغَ في الإنفاقِ بحيثُ عُرِفَ بالجوادِ، وصارَ كالعَلَم عليه، لا يقال له إلا: جمالُ الدِّين الجَوادُ، ومدَحَهُ الشعراءُ كمحمدِ بنِ نصرِ بنِ صغيرٍ القيسرانيِّ (٢)، ومن ذاك قصيدتُه الشهيرةُ التي أوَّلها (٣):


(١) الفهَّاد: معلِّم الفهدِ الصيدَ. انظر: "القاموس": فهد.
(٢) وصفه الذهبيُّ بسيِّد الشعراء، سكن دمشق، وامتدح الملوك، ثمَّ ولي خزانة الكتب بحلب، مولده سنة ٤٧٨ هـ، ووفاته سنة ٥٤٨ هـ. "الخريدة"، قسم شعراء الشام ١/ ٩٦، و"معجم الأدباء" ١٩/ ٦٤، و"وفيات الأعيان" ٤/ ٤٥٨.
(٣) البيت في "الخريدة" ١/ ١٢٤، قسم شعراء الشام.