للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحقوقِ، والتعامي عن الخصومِ، لا يقومُ إلا وقد ألقى الناس من وثائقِ الدُّيونِ وشبهِها ما يشبه رَبْضَةَ (١) الثورِ الكبيرِ، فلمَّا قَدِمَ المدينةَ رامَ إخفاءَ حالِهِ؛ قصدًا للتأدُّبِ مع المقام الشريفِ، فَلَزِمَ الصلاةَ، والإقراءَ حتى اشتهرَتْ أحوالُهُ، وكراماتُهُ، فاجتمعَ عليه أهلُ الخيرِ، ومشايخُ الحرمِ، وسألوه تعيينَ يومٍ يَعِظُهُم فيه، فعيَّن يومَ الجمعةِ بعد الصُّبح بعد توقُّفٍ كبير، ومعالجةٍ حتَّى إنه ليُسمعُ في المسجدِ مِن سَعْيِهِم إليه رجَّةٌ عظيمةُ، ولا يتخلَّف عنه أحدٌ لا من المجاورين، ولا مِن غيرهم، وكنتُ القارئَ في مجلسِهِ، يأمُرُني في ذلك، فكانَ النَّاسُ راسلوا ذهبوا (٢) أوَّل يوم بقراءَةِ آيةِ (٣): {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا (٤) لَهُ}، وحديث (٥): "الحلالُ بيِّنٌ"، وكانَ يتكلَّمُ، فإذا غلبَ عليه الحالُ قامَ على قَدَمَيه، وصاحَ بأعلى صوتِهِ، فكأنما يَقُدُّ (٦) بمواعظِهِ القلوبَ قَدًّا، ويفتحُ عنها بابًا مُوصدًا، وانتفعَ الناسُ بكلامِهِ.


(١) الرِّبضة من البقر: جماعته حيث تربض. والرَّبضة: المبرك. "القاموس": ربض. يريد: كثرة الأشياء الملقاة، وسعة المكان.
(٢) لم تتضح الكلمتان، وفي "نصيحة المشاور": وكان قد جعلني قارئ مجلسه، فأمرني أوَّلَ يومٍ بأن أقرأ قوله تعالى .. الخ، وهو واضح.
(٣) سورة الحج، آية: ٧٣.
(٤) في الأصل: فاستمعوه، وهو خطأ.
(٥) أخرجه البخاريُّ في البيوع، باب: الحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّن (٢٠٥١).
(٦) قالَ الفيروز آباديُّ: القدُّ: القطعُ المستأصل، أو المستطيل، أو الشَّقُّ طولّا. "القاموس": قدد.