للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعاطي الشِّعرِ، بل غسلَ جميعَ ما كانَ عنده من نظمٍ ونثر، بحيثُ لم يتأخَّرْ منه إلا ما كان برَزَ قبلُ، وأكثرَ حينئذٍ من النَّظرِ في الفقهِ، والمداومةِ على الاشتغال، بل وتردَّدَ إلى الشّرْوَاني للقراءةِ عليه لأجلِ بعضِ الرُّؤساءِ من أصحابِه، فولعَ به جماعةٌ من [الشُّبَّان] (١) ونحوِهم تلحينًا وردًّا، فتحمَّلَ وتجرَّعَ كلَّ مكروهٍ من ذلك، وما وجدَ قائمًا [يردعُهم] (٢)، وآلَ أمرُهم معه إلى أن أُبْرِزَ مؤلَّفٌ يلقَّب بـ"جامعِ المارداني" فيه من الهجو ونحوِه ما ليس بمُرْضٍ، ممَّا الحاملُ عليه الحسدُ، وهو معَ ذلك يكابدُ ويتجلَّد، ولم يقابل أحدًا منهم بنظم ولا نثر، ثمَّ رامَ قطع هذه المادَّةَ، فأنشأَ السَّفرَ إلى الحجِّ، فحجَّ، وزار المدينةَ النَّبويةَ، وعادَ في البحر فأقامَ يسيرًا، وصارَ يتودَّدُ لأكثرِ مَن أُشير إليهم، ثمَّ رجعَ بعد صِلاته على العَلَم البُلْقيني، إلى الحرمين في البحرِ أيضًا، وصُحبتُه مَبرَّاتٌ لأهلهما، فوصلَ المدينةَ في رمضانَ سنةَ ثمانٍ وستين، فأقامَ بها حتَّى رجعَ لمكَّة صحبةَ الرَّكبِ الشَّاميِّ، فحجَّ، ثمَّ عادَ إليها أيضًا، فأقامَ بها إلى نصفَ شعبانَ من التي تليها، ثمَّ رجعَ من الينبوع (٣) لمكَّةَ، فاستمرَّ بها إلى ربيعٍ الأوَّلِ سنةَ سبعين، فشهدَ المولدَ، ثمَّ رجعَ في البحرِ إلى المدينةِ أيضًا، فأقامَ بها حتى ماتَ مبطونًا، في ثالثِ عشر شوَّالٍ منها، بعدَ أن تعلَّلَ معظمَ رمضانَ، وصلِّيَ عليه في ظهرِ يومِه بالرَّوضةِ، ودُفنَ بالبقيعِ بينَ السَّيِّدِ إبراهيمَ والإمامِ مالكٍ رضي الله عنهما، وغُبِطَ بذلك كلِّه، وتفرَّقَ النَّاس جهاته.


(١) في الأصل: الشيبان، والمثبت من "الضوء اللامع"، وهو الصواب.
(٢) في الأصل: يرد عنهم. وما أئبته من "الضوء اللامع"، وهو الصواب.
(٣) ينبع: مدينة معروفة في السعودية، والمؤلف يذكرها في كتابيه: "التحفة اللطيفة"، و "الضوء اللامع" بالاسمين: الينبوع، وينبع.