عن ذكرِ الله، ويتفقَّدُ الفقراءَ في بيوتِهم، ويُعالجُ الطُّرحَاءَ في مكانِهم، ويطوفُ على المرضى بالمدَينةِ فيتفقَّدُهم، ويطلبُ منَّا المساعدةَ حتَّى ذلك، ولا يزالُ متبسمًا، يسألُ عن الصَّغيرِ قبلَ الكبيرِ، ويأتي إلى بيوتِ أصحابِه، ويدعو لصغارِهم، ولي منه أوفرُ نصيبٍ، حتَّى إنِّي لو قلتُ: لم أرَ الخيرَ إلا معَه، ولا السَّعدَ إلا في أيَّامِه، كنتُ صادقًا، ويتفقَّدُ نفسَه إذا وقعَ في شيءٍ من الهمِّ، حتَّى إنَّه جاءَ يومًا من المسجدِ وبيدِه قُطَيعةٌ من حديدٍ تسوى فِلسًا أو لا تسوى، فنادى ولدي أحمدَ فأعطاه إيَّاها ليلعبَ بها، ثمَّ خرجَ عنَّا، فلمَّا دخلَ المسجدَ رجعَ بسرعةٍ، فقال: هاتُوا تلكَ الحديدةَ، فأتيناه بها، ثمَّ جاءَنا بعدُ على عادتِه، فسألتُه عن حكايتِها، فقالَ: لمَّا رجعتُ إلى المسجدِ فقدتُ سِكِّينًا كان معي في المِحفظة، فتفقَّدتُ نفسي، وتفكَّرتُ فيما عملتُ حتَّى عُوقبتُ في السِّكِّين، فلم أجدْ إلا تلكَ الحديدةَ، فرددتُها إلى موضعِها، فوجدتُ السِّكِّينَ، ومقامُه أعلى مِن هذا، واتَّفقَ أنَّه مرضَ في بيتي مرَضًا شديدًا، بحيث أَيِسَ من نفسِه فيه، فدخلتُ عليه يومًا وولدي أحمدُ عندَه، وكان صغيرًا فأسمعُه يقولُ: يا ولدي يا أحمدُ، أقومُ من هذا المرضِ وأتعافى، ثمَّ سمعتُه يقولُ: فيها البركةُ يا ولدي، فقلتُ له: ما يقولُ لك؟ وما معنى كلامِه؟ قال: فقلتُ له كذا وكذا، فقال لي - إشارةً بيده - أربع، فتأوَّلْتُها أربعَ سنين، فكانَ كذلك، مات في الرابعة بمكَّةَ، رحمَه اللهُ. وكانَ ليلةً واقفًا يصلِّي فوقَ سطحِ المسجدِ، وبإزائِه نساءٌ في عُرسٍ، فضربوا الدُّفوفَ والمعازفَ والرَّبابَ، وأنواعَ الطَّربِ بحذائِه، بحيثُ لم يدرِ ما يُصلِّي، فنزلَ كما رأيتُه إلى أسفلِ البيتِ، فلم يكنْ إلا قليلًا وطلعَ لمكانِه، وسكنَ ذاك اللَّعِبُ واللَّهو، فسألتُ عن سببِ سكوتِهم، فقالوا: بينا نحنُ في ذلك الحالِ إذ وقعتْ عروسُنا من الدَّرَجةِ، فَعَطِبت رِجْلُها، فعلمتُ أنَّ ذلك ببركةِ خاطرِه، إذ كانوا على أنواعٍ من المعاصي