للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَمْقَامَاً (١)، ترقَّت به هِمَّتُهُ إلى أنْ قصدَ مكَّةَ في صَكَّة عُمَيّ (٢)، وأرادَ انتزاعَها من يدِ الأميرِ نجمِ الدِّين أبي نُمَيّ، فهجمَ على مكَّة هجومَ الطَّيف، وافتضَّ عُذْرَتها بحدِّ السَّيف، وذلكَ أنَّه باتَ لياليَ على بابِها مخُيِّماً، وعلى إخراجِه منها حازماً مُصمِّماً، فحاصرَهم وقاتلَهم، ودافعَهم ونازلهَم، إلى أنْ دبَّ إليها، واستولى عليها، وخرجَ الأميرُ أبو نُمَيٍّ منها، وصدقَ عزمُ جَمَّاز مكَّة، ولم يُمِتها (٣)، واستقرَّ بها مدَّةً حاكما، وصارَ الخمول مُتكامِنا، والسَّعدُ مُتراكماً، ثُمَّ ردَّ الله تعالى مكَّةَ إلى أبي نُمَي، وجمعَ الزَّمانُ بينَ غَيلانَ ومَيّ (٤)، وعادَ جَمَّازٌ إلى محلِّ ولايتِه، باسطاً على المدينةِ ظِلَّ رايته، وكانت ولايتُه وِراثةً عَن والدِه، ومنه كانَ تهيَّاَ له تناولُ مقالدِه، ولكنْ لم تَصْفُ له إلا بعدَ هَزَاهِز (٥)، ومنازعاتٍ بينَه وبينَ مالكٍ وعيسى وغيرِهما من ذوي قرابتِهم الجَمَامِز، كما ذكرناه في ترجمةِ شِيحةَ مطوَّلاً، وبيَّناه مُجْمَلاً ومفصلاً.

وكان جَمَّازٌ ذا رأيٍ صَلِيْدٍ (٦)، وقَلبٍ مجيد (٧)، وجأشٍ جَليد (٨)، وسماحٍ على ذوي


(١) أي: سيداً عظيماً. "القاموس": قمقم.
(٢) الصَّكَّة: شِدَّةُ الهاجرة، وتُضاف إلى عُمَيٍّ: رجلٍ من العمالقة، أغارَ على قوم في ظهيرةٍ، فاجتاحهم. انظر "القاموس": صك.
(٣) كذا في الأصل، أي: لم يضعفها. وفي "المغانم": يحنها، أي: لم يهلك أهلها. وكلا المعنيين محتمل.
(٤) كنايةٌ عن اجتماعِ المتحابِّين بعدَ طولِ فراقٍ، وشدِّةِ اشتياق. كما اجتمعَ غَيلانُ وصاحبتُه مَيَّةُ. وغيلانُ هو الشَّاعرُ المعروف بذي الرُّمة. انظر: "الشعر والشعراء" ص ٣٥١.
(٥) أي: بعد حروب وبلايا. انظر: "القاموس" هزز.
(٦) أي: صلب. "القاموس": صلد.
(٧) كذا في الأصل، وتحتمل: محيدٍ. والمجيد: الرفيع العالي، الكريم، الشريف الفعال. وفي "المغانم": نجيد: أي: شجاع. ولعلَّ ماورد في الأصل هو الأنسب للمعنى في هذا المقام.
(٨) أي: قويٍّ.