للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسلمينَ عَظِيمتَينِ"، فكانَ كمَا أخْبَرَ؛ فإِنَّهُ تابَعَهُ بَعدَ وَفاةِ أَبيهِ سَبعونَ ألفًا فأَكثرُ، فزَهِدَ في الخِلافةِ، ولم يُرِدْهَا، وسلَّمَهَا إلى مُعاويةَ، وبَايَعَهُ على شُروطٍ ووثَائِقَ، وحملَ إليهِ مُعاويةُ مالًا؛ قيلَ: إنَّهُ خمَسُ مئةِ ألفٍ، أوْ أَربعُ مئةِ ألفٍ، بعدَ أنْ قالَ لهُ: لأُجِيزَنَّكَ بجائزةٍ ما أَجزتُ بِهَا أحدًا قبلكَ، ولا أُجيزُ بهَا أحدًا مِنْ بَعدِكَ، وصرَّحَ الحسنُ قبلَ ذلكَ بأنَّهُ تركَها ابتغَاءَ وجهِ الله، وحَقنِ دماءِ الأُمَّةِ.

وفي لَفظٍ (١): لا تُهراقُ على يَديْ مَحْجمَةٌ مِنْ دمٍ.

وكُسِرتْ بذلكَ ظُهُورُ كثيرينَ مِنَ الغَيظِ، بِحَيثُ قِيلَ لَهُ: يَا مُذِلَّ المؤْمِنِينَ، فقالَ لِقَائِلِ ذلكَ: لا تقُلْ ذلكَ؛ إنِّي كَرِهْتُ أنْ أقْتُلَكُمْ في طَلَبِ الملْكِ.

والتَمَسَ مِنْهُ مُعاويةُ الصُّعُودَ معَهُ على المِنْبَرِ؛ ويُخبرَ النَّاسَ أنَّهُ قَد بَايَعَ مُعاويةَ، فَصَعِدَ، فَحَمِدَ اللهَ، وأَثْنَى عَليهِ، ثُمَّ قال: أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللهَ هَدَاكُم بِأوَّلِنَا، وحَقَنَ دِمَاءَكُمْ بآخِرِنَا، وإنِّي قَدْ أَخَذْتُ لَكمْ علَى مُعاويةَ بأنْ يَعْدِلَ فِيكُمْ، وأنْ يُوَفِّرَ عَلَيْكُمْ غَنَائِمَكُمْ، وأنْ يَقْسِمَ فِيكُمْ فَيْئكُمْ، ثُمَّ أقْبلَ عَلَيْهِ، فَقَال: أَكَذلكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ هَبَطَ مِنَ المِنْبَرِ وهُوَ يقُولُ ويشِيرُ بإِصْبَعِهِ إلى مُعاويةَ: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (٢)، فاشتدَّ على مُعاوِيَةَ ذلكَ، فَقَالُوا لَهُ: لو دعوتَهُ فاستنطقتَهُ. يعنِي: استفهمتَه ما عنى بالَايةِ؟ فقالَ: مهلًا، فأبوْا عليهِ، ودَعَوهُ فأجابَهمْ، فأقْبلَ عليهِ عمروُ بنُ العاصِ، فقالَ له الحسنُ: أمَّا أنتَ فقدْ اختلفَ فيكَ رجلٌ منْ قريشٍ وجزَّارُ أهلِ


= (٢٧٠٤).
(١) رواه أحمد في "فضائل الصحابة" (٢/ ٧٧٣) (١٣٦٤)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ١٣/ ٢٩٣.
(٢) سورة الأنبياء، آية: ١١١.