للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السِّراجُ، وكان يقاسي من الإماميةِ من الأذى مالا يصبرُ عليه غيرُه، وهو صابرٌ محتسبٌ، بحيث كانوا يُلطِّخون بابَه بالقاذوراتِ، بل كانوا يرجمونه بالحصباء وهو على المنبر يخطبُ، فلمَّا كثُرَ منهم ذلك، تقدَّم الخُدَّام، وجلسوا بينَ يديه صفًّا، وخلفَهم علماؤُهم وعَبيدهم، خدمةً وحمايةً، ونصرًا للشريعة، وهو يعذرهم بخروج المنصب عنهم بعد توارثهم له، إلى أنْ صاهرَ رئيسَ الإمامية (١) وفقيهها، فانكفَّ عنه الأذى قليلًا، وصار يخطبُ ويصلِّي مِنْ غير حكمٍ ولا أمرٍ، ولا نهي.

ثمَّ أُضيفَ إليه -مع الخطابة والإمامة- القضاءُ من النَّاصرِ محمَّدِ بنِ قلاوون (٢)، واشترط عليهم منصورُ بنُ جمَّازٍ (٣) الأمير: ألا يُغيَّر شيئًا من أحكامِهم ولا حُكَّامهم، بحيث اقتصرَ على الحكمِ بين المجاورين وأهلِ السُّنة.

ونابَ عنه في القضاء: الشِّهابُ أحمدُ الصَّنعانيُّ اليمانيُّ (٤).

وآلُ سنانٍ يحكمون في بلادِهم في جماعتِهم على عادتهم، بل ومَن دعا من أهل السُّنة إليهم، وأمرُ الحبسِ راجعٌ إليهم، والأعوانُ تختصُّ بهم، والإسجالات تثبتُ عليهم، والسِّراجُ يستعينُ بأعوانِهم وحبسِهم (٥)، ودام نيِّفًا على أربعين سنةً، إلى أن


(١) جاء في "نصيحة المشاور" ص: ٢٥٢: إلى أن تزوَّج ابنةَ القيشاني رئيسِ الإمامية وفقيهها.
(٢) تقدمت ترجمته.
(٣) منصورُ بنُ جمَّازِ بنِ شيحةَ، والدُ طفيل، أمير المدينة، نزل له والده عن الإمارة بالمدينة سنة ٧٠٠ هـ. فحسده إخوته، فدارت بينهم معارك بعد وفاة والده، إلى أن قتله ابن أخيه حديثة بن قاسم بن جماز سنة ٧٢٥ هـ. "نصيحة المشاور" ص: ٣٠٣ - ٣٠٧، و "الدرر الكامنة" ٥/ ١٣٢.
(٤) تأتي ترجمته في حرف الألف.
(٥) انظر "نصيحة المشاور" ص: ٢٥٧.