الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على نبي الهدى والرحمة محمَّد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين وبعد:
فهذا هو الجزء الثامن من كتابنا المسمى (الفقه الميسر) وفيه نتناول أحد أهم السلطات التي لا تقوم الدولة إلا بها وهي السلطة القضائية وما يتعلق بها من مباحث ومسائل. ومعلوم أنه لا يوجد على وجه الأرض قديمًا وحديثًا مجتمع تستقيم أمور أفراده بدون القضاء؛ إذ لا يوجد مجتمع بشري مثالي يعيش أفراده كما تعيش الملائكة لا يجد الغل طريقًا إلى قلوبهم؛ فالإنسان مجبول بطبعه على الجور والظلم وحب الذات والأنانية، ومن البدهي عندما يتعامل مع بني جنسه من أفراد مجتمعه أن تنشأ عن ذلك خلافات ونزاعات، ولا يمكن فض ذلك إلا عن طريق القضاء، كما أنه لا يمكن ردعه وزجره عن الظلم والعدوان إلا بواسطة العقوبات التي يحكم بها عن طريق القضاء؛ ولهذا قال تعالى في محكم كتابه:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}(١).
فالقضاء بدون أدنى شك من أهم وسائل دفع الفساد في الأرض وحقن الدماء وحفظ الأموال ودفع الظلم وفض النزاعات والخصومات وإظهار الحقوق وردها إلى أربابها، وبه يتحقق نصرة الظالم والمظلوم كما في حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومًا أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: "تحجزه