القنوت عند النوازل يتوقف على ولي الأمر، كما هو المشهور في مذهب الإِمام أحمد أنهم قالوا: يقنت الإمام فقط، الإِمام الأعظم، أي: الحاكم، أو من ينوب عنه، ومتى أمر بالقنوت قنت الناس وإلا فلا.
والأَولى في مثل هذا أن يُنتَظَر أمر الدولة بذلك، إذا أَمَرَ به ولي الأمر أو من ينوب عنه قنتنا سواء كان من جهة رسمية كالأوقاف أو غيرها، وإلا فلا، وبقاء الأمة على مظهر واحد خير من التفرق؛ لأنه مثلًا: أقنت أنا والمسجد الذي بجانبي لا يقنت، أو نحن أهل بلد نقنت والبلاد الأخرى لا تقنت، ففيه تفريق للأمة وتوزيع، وجمع الشتات من أحسن ما يكون، ونحن نعلم أن عثمان -رضي الله عنه- في آخر خلافته صار يتم الصلاة في منًى، يعني: يصلي الرباعية أربعًا، فأنكر الصحابة عليه، حتى إن ابن مسعود لما بلغه ذلك استرجع، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فجعل هذا من المصائب، وكانوا يصلون خلفه أربعًا، فقيل لابن مسعود:"يا أبا عبد الرحمن، كيف تصلي أربعًا وأنت قد أنكرتَ عليه؟ فقال: إن الخلاف شر" فكون الأمة على حال واحدة أفضل؛ لأن طلبة العلم تتسع صدورهم للخلاف؛ لكن العامة لا تتسع صدورهم للخلاف أبدًا.
فالذي ننصح به إخواننا أن لا يتعجلوا في أمر كانت لهم فيه أَنَاةٌ، مع أن باب الدعاء مفتوح، يدعو لهم الإنسان في حال السجود، وبعد التشهد الأخير، وفي قيام الليل، وبين الأذان والإقامة، أي: لا يتعين الدعاء في القنوت فقط، صحيح أن القنوت مَظْهَرٌ عام، ويجعل الأمة كلها تتهيأ للدعاء وتتفرغ له؛ لكن كوننا نترك كل واحد بهواه ونفرِّق الناس هذا أمر مرفوض (١).