للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - أن تغير الفتوى يجب أن يكون مقصورًا على أهل الاجتهاد والفتوى وليس لأحدٍ قليل بضاعته في العلم أن يتولى هذه المهمة الصعبة، وكلما كان النظر جماعيًّا من قِبل أهل الاجتهاد كان أوفق للحق والصواب.

سادسًا: مراعاة العوائد والأعراف:

هذا هو الضابط السادس الذي يحتاج إليه الناظر في النوازل قبل الحكم أو الفتيا في الواقعة وما يتعلق بها. ولبيان هذا الضابط لا بد من توضيح جانبين:

الجانب الأول: المقصود به مع بيان أهمية هذا الجانب لمن نظر إلى فقه النوازل:

المقصود بالعرف أو العادة: هو ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول.

وقد جرى الفقهاء على اعتبار العادة والعرف والرجوع إليها في تطبيق الأحكام الشرعية في مسائل لا تعد لكثرتها، كسن الحيض، والبلوغ، والإنزال، والأفعال المنافية للصلاة، والنجاسات المعفو عنها، وفي لفظ الإيجاب والقبول، وفي أحكامٍ كثيرة جدًّا من مسائل البيوع والأوقاف والأيمان والإقرارات والوصايا وغيرها.

فإذا كانت العادة والعرف لهما اعتبار في الشرع، مع كثرة ما يطرأ عليهما من تغير وتبديل بحسب الأزمنة والأمكنة وتطور أحوال الناس؛ فإن على العلماء مراعاة ذلك التغير بقدر الإمكان. يقول الإِمام القرافي في ذلك: إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة (١).

وقال أيضًا: ينبغي للمفتي إذا ورد عليه مستفتٍ لا يعلم أنه من أهل البلد الذي منه المفتي وموضع الفتيا أن لا يفتيه بما عادته يفتي به حتى يسأله عن بلده، وهل حدث


(١) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، (ص: ٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>