ذهب جمهور الفقهاء المعاصرين إلى جواز التشريح في الجملة لا بالجملة؛ وذلك لما يترتب عليه من مصالح جمة تفوق المضار والمفاسد، والأحكام الشرعية إنما تبنى على الغالب، إذ ما من فعل إلا وتحيطه وتجتمع فيه المصالح والمفاسد، وبناء الحكم الشرعي وفق الراجح من النوعين، فليس في الكون مصلحة محضة ولا مفسدة محضة؛ ولأن مراعاة حرمة الحي أعظم من مراعاة حرمة الميت، واستدلالًا بقاعدة:"إذا تعارضت مصلحتان قدم أقواهما، وإذا تعارضت مفسدتان ارتكب أخفهما تفاديًا لأشدهما". فالتشريح فيه مصلحة عامة متعارضة مع مصلحة قاصرة خاصة وهي حرمة الميت، فتقدم المصلحة العامة.
وتشريح الميت مفسدة خاصة؛ لما فيها من انتهاك لحرمته، وتركه فيه مفسدة عامة منتشرة على مجموع الناس، فترتكب المفسدة الأخف وهي التشريح درءًا وتلاشيًا من وقوع المفسدة الأعم والأشد، وهذا هو القول الأوّل في هذه النازلة.
ومما جاء في قرارات هيئة كبار العلماء بخصوص التشريح ما يلي: "كما جرى استعراض البحث المقدم في ذلك من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وظهر أن الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأوّل: التشريح لغرض التحقق من دعوى جنائية.
الثاني: التشريح لغرض التحقق من أمراض وبائية لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها.
الثالث: التشريح للغرض العلمي تعلمًا وتعليمًا: وبعد تداول الرأي والمناقشة ودراسة البحث المقدم من اللجنة المشار إليه أعلاه قرر المجلس ما يلي: