للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالضوابط التي سبق بيانها؛ لأن الإباحة حكم من خالق العباد وربهم، ومتى ثبت بالدليل الشرعي إباحة الفعل، فليس لمخلوق المنع، أو الإلزام به على وجه العموم والإطلاق. وللقاضي التدخل في الحالات التي يقع فيها إشكال، فيمنع ما يراه غير مناسب، ويمضي ما يراه مناسبًا.

[اشتراط الولي على الزوج ألا يتزوج على ابنته زوجة ثانية]

قد تشترط المرأة أو يشترط وليها على الزوج ألا يتزوج على ابنته زوجة ثانية، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فذهب بعضهم إلى ثبوت هذا الشرط، فمتى اشترطت الزوجة عند الخطبة مثلًا أو عند العقد أن لا يتزوج عليها أخرى فلها ذلك، ووجب الوفاء به لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلتُمْ بِهِ الفُرُوجَ" (١). فإذا خالف الزوج فتزوج عليها أخرى فإنه من حقها أن تفسخ النكاح، ويكون المهر لها، ويمضي العقد على الوجه الذي تمّ بينهما.

وقال بعض أهل العلم: هذا الشرط باطل والعقد صحيح، لما فيه من مخالفة ما أباح الله من التعدد، فالله تعالى أحل للمسلم تعدد الزوجات، قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: ٣]. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ في كِتَابِ اللهِ فَهْوَ بَاطِلٌ وَإِنِ اشْتَرَطَ مِئة شَرْطٍ، شَرْطُ اللهِ أَحَقُّ وأوثَقُ" (٢)

فالله ندب إلى تعدد الزوجات ورغب في ذلك؛ لأن هذا من الرفق بالنساء، فالمرأة قد تكون عانسة، أو مطلقة، أو مات عنها زوجها فتضم إلى بيت من البيوت


(١) رواه البخاري في الشروط، باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح (٢٧٢١)، ومسلمٌ في النكاح، باب الوفاء بالشروط في النكاح (١٤١٨)، عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-.
(٢) رواه البخاري، كتاب الشَّروط: باب الشرط في الولاء، رقم (٢٥٦١، ٢٥٦٢)، ومسلمٌ، كتاب العتق: باب إنما الولاء لمن أعتق، رقم (١٥٠٤)، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-.

<<  <  ج: ص:  >  >>