للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلك نقول بأن الحكم الشرعي لهذه النازلة: أنه لا يجوز لأي جهة أن تحرم المباح أو أن تجرم من فعل خلافه، أو أن تعلق فعله على إذنها وترخيصها، وإنما دلت الأدلة الشرعية على أنه يجوز لولي أمر المسلمين الإلزام بفرد من أفراد المباح مؤقتًا، أو المنع منه كذلك بشرط أن لا يكون عامًّا لكل الناس، وأن يكون مخصوصًا بحال معينة وفق ضوابط ذكرها أهل العلم.

والكتاب والسنة يدلان على ذلك؛ لأن فيهما الحث على الزواج والترغيب فيه من دون تقييد بسن معينة، قال الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: ١٢٧] الآية، فأجاز نكاح اليتيمة، وهي التي لم تبلغ سن البلوغ وهو تمام خمسة عشر عامًا على الأرجح، وقد تبلغ بأقل من ذلك بغير السن, وقد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة -رضي الله عنها- ولها ست أو سبع سنين ودخل بها وهي ابنة تسع، وفعله تشريع لهذه الأمة كما أن الصحابة -رضي الله عنهم - كانوا يتزوجون في الصغر وفي الكبر دون تحديد سن معينة، فليس لأحد أن يشرع غير ما شرعه الله ورسوله ولا أن يغير ما شرعه الله ورسوله؛ لأن فيه الكفاية، ومن رأى خلاف ذلك فقد ظلم نفسه وشرع للناس ما لم يأذن به الله، وقد قال -عَزَّ وجَلَّ- ذامًّا لهذا الصنف من الناس: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ...} [الشورى: ٢١] الآية، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ" (١)، (٢)، فلا يجوز للدولة تحريم المباح، أو إيجاب فعله، أو تقييده بإذنها كتشريع عام، وإنما يجوز لها التدخل بالمنع، أو الإلزام في بعض أفراد المباح، وفي حالات مخصوصة بهدف تحقيق مقصد شرعي من ذلك


(١) رواه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، كتاب البيوع: باب النجش، ومن قال: لا يجوز ذلك البيع، انظر رقم (٢١٤٢)، ووَصَلَهُ مسلمٌ، كتاب الأقضية: باب نقض الأحكام الباطلة، رقم (١٧١٨) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
(٢) فتاوى اللجنة الدائمة (١٨/ ١١١، ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>