للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (١). فقد ربط الله تعالى الإيمان بقبول التحاكم إليه وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما وصف الله تعالى المؤمنين بقبول التحاكم إليه، فقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٢).

[ومن السنة: أدلة فعلية وقولية]

١ - أما الفعلية فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتولى القضاء بنفسه ويولي بعض أصحابه فعن أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سمع جَلَبَةَ خَصْمٍ (٣) بِبَاب حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فقال: "إنما أنا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِيني الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ من بَعْض، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأقْضِي له، فَمَنْ قَضَيْتُ له بحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّما هِيَ قِطْعَةٌ من النّارِ، فَليَحْمِلهَا، أو يَذَرْهَا" (٤).

وروى أبو داود بسنده عن عَليٍّ -رضي الله عنه- قال: بَعَثَنِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليَمَنِ قَاضِيًا، فقلت: يا رَسُولَ الله، تُرْسِلُنِي وأنا حَدِيثُ السِّنِّ ولا علمَ لي بِالقَضَاءِ؟ فقال: "إِنَّ الله سَيَهْدِي قَلبَكَ، وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ، فإذا جَلَسَ بين يَدَيْكَ الخَصْمَانِ، فلا تَقْضِيَنَّ حتى تَسْمَعَ من الآخَرِ كما سَمِعْتَ من الأَوَّلِ، فإنه أَحْرَى أَنْ يَتبَيَّنَ لك القَضَاءُ" قال: فما زِلتُ قَاضِيًا، أو ما شَكَكْتُ في قَضَاءٍ بَعْدُ (٥).


(١) سورة النساء: ٦٥.
(٢) سورة النور: ٥١.
(٣) جلبة خصم: اختلاط الأصوات، والخصم هنا: الجماعة وهو من الألفاظ التي تقع على الواحد والجمع. صحيح مسلم (٣/ ١٣٣٧).
(٤) صحيح مسلم (٣/ ١٣٣٧)، كِتَاب الأَقْضِيَةِ، بَاب الحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاللَّحْنِ بِالحُجَّةِ، برقم (١٧١٣).
(٥) سنن أبي داود، برقم (٣٥٨٢)، وهو في مسند أحمد بن حنبل (١/ ١١١)، وفي سنن النسائي الكبرى (٥/ ١١٧)، برقم (٨٤٢٠)، وفي سنن الترمذيُّ، برقم (١٣٣١)، وقال: هذا حَدِيثٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>