للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَمِيلَ الهِمَمُ إلَيْهِ، وَيَكْبُرَ في نُفُوسِ الخُصُومِ مِنْ الجُرْأَةِ عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ تكبُّرٍ يُظْهِرُهُ وَلَا إعْجَابٍ يَسْتَشْعِرُهُ، وَكِلَاهُمَا شَيْنٌ في الدِّينِ، وَعَيْبٌ في أَخْلَاقِ المُؤْمنينَ، متواضعا من غير ضعف كثير التحرز من الحيل لا يطلع الناس منه على عورة ولا يخشى في الله لومه لائم.

وقال ابن قدامة: "يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الحَاكِمُ قَوِيًّا مِنْ غَيْر عُنْفٍ، لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ، لا يَطْمَعُ القَوِيُّ في بَاطِلِهِ، وَلَا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ، وَيَكُونَ حَلِيمًا، مُتَأنِّيًا، ذَا فِطْنَةٍ وَتَيقُّظٍ، لا يُؤْتَى مِنْ غَفْلَةٍ، وَلَا يُخْدَعُ لِغِرَّةٍ، صَحِيحَ السَّمْعِ وَالبَصَرِ، عَالِمًا بِلُغَاتِ أَهْلِ وِلَايَتهِ، عَفِيفًا وَرعًا، نَزِهًا، بَعِيدًا مِنْ الطَّمَعِ، صَدُوقَ اللَّهْجَةِ، ذَا رَأْيٍ وَمَشُورَةٍ، لِكَلَامِهِ لِينٌ إذَا قَرُبَ، وَهَيْبَةٌ إذَا أَوْعَدَ، وَوَفَاءٌ إذا وَعَدَ، وَلا يَكُونُ جَبَّارًا، وَلا عَسُوفًا، فَيقْطِعُ ذَا الحُجَّةِ عَنْ حُجَّتِهِ، قَالَ عَليٌّ -رضي الله عنه-: "لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ القَاضِي قَاضِيًا حَتى يكُونَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ عَفِيفٌ، حَلِيمٌ, عَالِمٌ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ، يَسْتَشِيرُ ذَوِي الأَلبَابِ، لَا يَخَافُ في الله لَوْمَةَ لَائِمٍ"، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ -رضي الله عنه-، قَالَ: "يَنْبَغِي لِلقَاضِي أَنْ تَجْتَمِعَ فِيهِ سَبعُ خِلَالٍ، إنْ فَاتَتْهُ وَاحِدَةٌ كَانَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ: العَقْلُ، وَالفِقْهُ، وَالوَرَعُ، وَالنَّزاهَةُ، وَالصَّرَامَةُ، وَالعِلمُ بِالسُّنَنِ، وَالحِكَمِ" (١)، وَأن يَكُونُ فَهِمَا، حَلِيمًا، عَفِيفًا، صُلبًا، سَآلًا عَمَّا لَا يَعْلَمُ، وَلَا يَكُونُ ضَعِيفًا، مَهِينًا، لِأَنَّ ذَلِكَ يَبْسُطُ المتخَاصِمِينَ إلَى التَّهَاتُرِ، وَالتَّشَاتُمِ بَيْنَ يَدَيْهِ" (٢)

[ثانيا: آداب متعلقة بنزاهته وحفظ كرامته]

حرصت الشريعة على أن تكون كرامة القاضي محفوظة، ونزاهته مضمونة؛ لأنه يفصل بين الناس فينبغي أن يكون محل ثقة الناس واحترامهم له، والاطمئنان إلى عدالته في الحكم، وهذا يستوجب منه أن يبتعد عن الشبهات وأن يكون قدوة حسنة.


(١) السنن الكبرى للبيهقي (١٠/ ١١٠).
(٢) المغني (١٤/ ١٧ - ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>