للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما الحكم إذا قضى في حالة غضب؟]

ذهب جمهور الفقهاء إلى صحة القضاء مع الكراهة لما رواه البخاري بسنده عن عُرْوَة بن الزُّبَيْر: أَنَّ الزُّبَيْرَ كان يحدث: أنَّه خاصَمَ رَجُلًا من الأنصَار -قد شَهِدَ بَدْرًا- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شِرَاجٍ (١) من الحَرَّةِ، كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كلاهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ: "اسْقِ يا زُبيْرُ، ثمَّ أَرْسِل إلى جَارِكَ" فَغَضِبَ الأنصَارِيُّ، فقال: يا رَسُولَ الله، أن كان ابن عَمَّتِكَ؟ فتلَونَ وَجْهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قال: "اسقِ، ثُمَّ احْبِسْ حتى يَبْلُغَ الجَدْرَ" (٢) فَاسْتَوْعَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ حَقَّهُ لِلزُّبَيْرِ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك أَشَارَ على الزُّبَير بِرَأْيٍ سَعَةٍ له وَللأنصَارِيِّ، فلما أَحْفَظَ (٣) الأنصَارِيُّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقّهُ في صَرِيحِ الحُكْمِ (٤).

فقد حكم الرسول في حالة غضبه وهذا يدل على الصحة وأن النهي يفيد الكراهية. وذهب القاضي من الحنابلة: إلى أنه لا يصح حال الغضب ولا ينفذ؛ لأنه منهي عنه والنهي يقتضي الفساد.

وأجاب عن الحديث بأن القضاء عند الغضب خاص بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، لكن التخصيص لم يقم عليه دليل؛ ولذا فلا يعتبر، وكتاب عمر -رضي الله عنه- إلى أبي موسى ينهاه عن ذلك؛ ولأنه إذا غضب تغير عقله ولم يستوف رأيه وفكره.

وذهب فريق إلى أن الغضب يمنع القاضي من الحكم إذا كان الغضب قبل أن يتضح له الحكم في المسألة أما إذا اتضح له الحكم ثم عرض الغضب، فإن ذلك


(١) الشرج: مسيل الماء من العَسِر إلى السهل. عمدة القاري (١٢/ ٢٠١).
(٢) قوله: احبس الماء حتى يبلغ الجدر فبلغ ذلك إلى الكعبين. فتح الباري (٥/ ٤٠).
(٣) أحفظه: أغضبه. المعجم الوسيط (١/ ١٨٥).
(٤) صحيح البخاري (٢/ ٩٦٤)، كتاب الصلح، بَاب إذا أَشَارَ الإِمَامُ بِالصُّلحِ فَأَبَى حَكَمَ عليه بِالحُكْمِ البَيِّنِ، برقم (٢٥٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>