للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن سبب اختلاف فتواهم عمن سبقهم هو اختلاف الزمان وفساد الأخلاق في المجتمعات، فليسوا في الحقيقة مخالفين للسابقين من فقهاء مذاهبهم، بل لو وُجِدَ الأئمة الأولون في عصر المتأخرين، وعايشوا اختلاف الزمان وأوضاع الناس لعدلوا إلى ما قال المتأخرون.

قال ابن القيم: فصل: تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد:

هذا فصل عظيم النفع جدًّا، وقد وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى مراتب المصالح لا تأتي به؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى ضدها، ومن المصلحة إلى المفسدة ومن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل (١).

ثانيًا: ما ينبغي أن يراعيه الناظر عند تغيّر الأزمنة أو الأمكنة:

١ - أن الأحكام الشرعية ثابتة لا تتغير بمرور الزمان ولا بتغير الأحوال وكون الحكم الشرعي يختلف من واقعة إلى واقعة بسبب تغير الزمان أو المكان أو الحال ليس معناه أن الأحكام مضطربة ومتباينة؛ بل لأن الحكم الشرعي لازم لعلته وسببه وجارٍ معه؛ فعند اختلاف أحوال الزمان والناس تختلف علة الحكم وسببه فيتغير الحكم بناءً عليه.

٢ - أن الفتوى لا تتغير بحسب الهوى والتشهي واستحسان العباد واستقباحهم، بل لوجود سبب يدعو المجتهد بإعادة النظر في مدارك الأحكام، ومن ثمَّ تتغير الفتوى تبعًا لتغير مدركها نتيجةً لمصالح معتبرة وأصول مرعية تُرَجَّح على ما سبق الحكم به.


(١) إعلام الموقعين (٣/ ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>