للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلوبة شرعًا؛ لأنه انتهى منها، وظهر له الحق، فيجب عليه الإسراع في الحكم على الفور، من دون تأخير أو مماطلة، وإلا كان القاضي آثمًا عند الله تعالى؛ لأنه يقر الظالم على ظلمه، ويمنع الحق عن صاحبه، وهذا الأمر أحد ميزات القضاء في الإِسلام، وخصائصه، أما التأجيل بدون سبب، والمماطلة الطويلة، فهذا يؤدي إلى بقاء الدعاوى الشهور والسنين دون إصدار الحكم، وكثيرًا ما يمل أصحاب الحقوق فيتركونها، ويفتح أمام الخصوم أبواب التحايل والرشوة والطرق الملتوية، فيصبح القضاء وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل، وهذا ما بينه القرآن الكريم، فقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (١).

وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجل الحكم بعد فهم القضية ووضوح الحق، فقضى بين الزبير والأنصاري فورًا في جلسة واحدة (٢)، وقضى بالصلح الفوري بين كعب بن مالك وعبد الله بن أبي حدرد، وطلب التنفيذ مباشرة (٣)، وفي قصة العسيف قال عليه الصلاة والسلام: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها" (٤) ولم يأمره أن يأتي بها، أو يحبسها، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا موسى إلى


(١) سورة البقرة: ١٨٨.
(٢) تقدم (ص: ٢٦).
(٣) روى البخاري ومسلمٌ بسنديهما عن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته فنادى: "يا كعب" قال: لبيك يا رسول الله، قال: "ضع من دينك هذا" وأومأ إليه أي: الشطر، قال: لقد فعلت يا رسول الله، قال: "قم فاقضه". صحيح البخاري، برقم (٤٤٥)، صحيح مسلم، برقم (١٥٥٨).
(٤) روى البخاري ومسلمٌ بسنديهما عن أبي هريرة وزيد بن خالد قالا كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام رجل فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه وكان أفقه منه فقال: اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي قال: "قل" قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة

<<  <  ج: ص:  >  >>