للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني:

يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه سواء في ذلك علمه قبل ولاية القضاء أم بعدها. وهو مذهب أبي يوسف ومحمَّد من الحنفية وهو المعتمد عندهم والأظهر عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة (١).

واستدلوا بأدلة كثيرة أهمها ما يأتي:

قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (٢)، فدل على أنه يجوز أن يقفوا ما له به علم.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (٣).

١ - حديث عائشة -رضي الله عنها- أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قالت: يا رَسُولَ الله إِنَّ أَبا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي ما يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلا ما أَخَذْتُ منه وهو لَا يَعْلَمُ؟ فقال: "خُذِي ما يَكْفِيكِ وَوَلدَكِ بِالمَعْرُوفِ" (٤). فلم يكلفها النبي - صلى الله عليه وسلم - البينة؛ لأنه يعلم صدقها وحال زوجها.

٢ - أنه إذا جاز أن يقضي بالشهادة وهي تفيد غلبة الظن، فلأن يجوز قضاؤه بعلمه الذي يفيد اليقين من باب أولى.


(١) الحاوي الكبير (١٦/ ٣٢٢)، المغني لابن قدامة (١٠/ ١٠١).
(٢) سورة الإسراء: ٣٦.
(٣) سورة النساء: ١٣٥.
(٤) رواه البخاري (٥/ ٢٠٥٢) في كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف، برقم (٥٠٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>