ثالثًا: ما جاء في صحيح البخاري عن عقبة بن الحارث -رضي الله عنه- قال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - العَصْرَ، فَلَمَّا سلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا في وُجُوهِ القَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ. فَقَالَ:"ذَكرْتُ وَأنا في الصَّلاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يُمسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا فَأمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ".
قالوا: ففي انصراف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة العصر بسرعة على وجهٍ ملفت للنظر حتى إن الصحابة سألوه عن سبب إسراعه، في هذا دليل على أن الزكاة إنما تخرج على الفور وأنه ينبغي المبادرة بإخراجها، إذ أنه لو جاز التراخي في دفعها لما أسرع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولما قال:"كرهت أن أبيت قبل أن تقسم".
رابعًا: قالوا: إن هذا المال المستثمر هو مال مستحق للفقراء والمساكين وسائر أصحاب الزكاة، وهؤلاء هم الذين يجب تمليكهم هذا المال، وهم إن أرادوا أن يستثمروا أموال الزكاة التي تدفع لهم، فهذا راجع إليهم.
أما أن يريد الجامع لأموال الزكاة استثمار أموال الزكاة نيابة عنهم، فليس له ذلك، فالأموال الزكوية حق للفقراء والمساكين وسائر الأصناف الثمانية.
فالاستثمار في الحقيقة إنما هو راجع لهم إذا ملكوا هذه الأموال، فلو أننا ملَّكنا الفقير أو المسكين مال الزكاة فأراد هذا الفقير أو المسكين أن يستثمره، فهذا راجع إليه.
أما أن يأتي أحد من الناس أو مؤسسة أو جمعية أو هيئة خيرية ويتدخل ويريد أن يحبس أصل مال الزكاة الواجب تمليكه لهؤلاء ويعطيهم فقط من ريعه حتى يستثمره، فليس له ذلك؛ لأنه تصرف في حقهم، ومَنِ الذي خوَّله لكي يستثمر حقهم الذي فرضه الله لهم؟!
خامسًا: إن الاستثمار لا يكون مشروعًا إلَّا إذا كان فيه مخاطرة؛ إذ أن الاستثمار