للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن مع وجود هذا العدد الكبير والكم الهائل من الحجيج وكثرة ما يحصل من الزحام وشدته -حيث نرى طوال الليل الحافلات والسيارات يأتي عليها الفجر وهي ما زالت تحمل الحجاج إلى مزدلفة، بل بعضها يمر بها مرورًا فقط- فهل نقول بجواز النفر قبل غروب الشمس لمن كان بعرفة؟

قال بعض أهل العلم: لو قيل بجوازه في ظل هذه الأوضاع المذكورة لكان لذلك وجه، لا سيما والمسألة محل خلاف بين أهل العلم، وهذا هو الأرفق بالناس، ومن أَوْجَهِ الأدلة على ذلك ما رواه أبو داود والنسائيُّ عن عروة بن مضرس قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بجمع فقلت: يا رسول الله، إني أقبلت من جبلي طيئ لم أَدع جبلًا إلَّا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلاةَ مَعَنَا وقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بعَرَفَةَ لَيلًا أو نهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُهُ وَقَضَى تَفَثَهُ" (١).

فقوله: "وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلا أَوْ نَهارًا" يعني وقف ثم دفع ليلًا أو نهارًا فقد تم حجَّه وقضى تفثهُ، وليس بعد التمام نقصٌ، وليس مع التمام نقص. هذا هو الذي يظهر عندنا. والله أعلم.

قلنا: والصحيح أن الوقوف بعرفة إلى الغروب واجب؛ للأدلة الآتية:

أولًا: مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها إلى الغروب مع أنه لو دفع بالنهار لكان أرفق بالناس؛ لأنه لو دفع بالنهار كان ضوء النهار معينًا للناس على السير، وإذا دفع بعد الغروب حل الظلام، ولا سيما في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والناس يمشون على الإبل والأقدام فينتشر الظلام قبل الوصول إلى مزدلفة.

فتأخير الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدفع من عرفة إلى ما بعد الغروب، وتركه للأيسر، يدل على أنه الأفضل، ودليل ذلك قول عائشة -رضي الله عنها-: "ما خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ


(١) رواه النسائي (٣٠٤١)، وصححه الألباني في سنن النسائي (٥/ ٢٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>