هو قول أكثر أهل العلم، ولا يرخص في ترك المبيت إلى النصف الثاني من الليل إلَّا للضَّعَفَة، أما الأقوياء الذين ليس معهم ضعفة فالسنة لهم أن يبقوا في مزدلفة حتى يصلوا الفجر بها ذاكرين الله داعينه سبحانه حتى يسفروا، ثم ينصرفوا قبل طلوع الشمس؛ تأسِّيًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن لم يصلها إلَّا في النصف الأخير من الضعفة كفاه أن يقيم بها بعض الوقت ثم ينصرف أخذًا بالرخصة. هذا هو حكم المبيت بها.
لكن قد يعجز البعض عن المبيت بمزدلفة؛ نظرًا لكثرة أعداد الحجيج في هذه السنوات، التي تصل إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين والسيارات الكبيرة والصغيرة تصل إلى الآلاف، والطرق محدودة؛ ولهذا يظهر بعض المشاكل في خطة السير فيتعرقل جزء كبير من الحجيج، وفي بعض السنوات تعرقل بعض الحجاج فلم يبلغُوا مزدلفة إلَّا بعد طلوع الشمس، وهذه لا شك أنها نازلة.
فهل نقول بلزوم الدم على من لم يَبِتْ بها مع وجود هذا العذر؟
نقول بأن الأولى والأحوط للإنسان أن يجتنب ما فيه خلاف بين أهل العلم ويقوم بأداء ما تبرأ به الذمة ولا يدخل بمسألة هل أتى بالواجب أو لم يأت به، ويحتاط لنفسه، لكن لو أن الإنسان حصل له مثل ما يحصل كثيرًا في أيامنا هذه من أنه دخل متأخرًا في مزدلفة وما استطاع أن يبقى فيها بعد امتلاء مواقفها وساحاتها ونحو ذلك، فإننا نقول: مجرد دخوله إلى مزدلفة من طريق وخروجه من الطريق الآخر وبقائه فيها مدة من الزمن، أنه يصدق عليه أنه أتى بما أوجبه الله -سبحانه وتعالى-عليه، وأن هذا القدر يكفي في رفع الإثم عنه؛ لأن هذا هو غاية ما في وسعه، ولو لم يصلها إلَّا بعد طلوع الفجر نقول: يكفيه ذلك وهو معذور ولا يكلف الله نفسًا إلَّا وسعها.