يكن قد عُرف من قبل أن الناس يقتل بعضهم بعضًا من أجل الرمي، فهي بهذا تعتبر نازلة. فهل نقول بجواز الرمي قبل الزوال نتيجة لما يحصل وقت الرمي؟
نقول: أولًا: اختلف أهل العلم في هذه المسألة كما ذكرنا، والراجح من أقوالهم أنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق (الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر) قبل الزوال؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يَرْمِ إلَّا بعد الزوال، وقال للناس:"خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم "، وكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - يؤخر الرمي -إلى هذا الوقت- مع أنه في شدّة الحر، ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر، دليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت، ويدل لذلك أيضًا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يرمي من حين تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر، وهذا دليل على أنه لا يحل أن يرمي قبل الزوال وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل، لأجل أن يصلي الصلاة -صلاة الظهر- في أوّل وقتها؛ لأن الصلاة في أول وقتها أفضل، والحاصل أن الأدلة تدل على أن الرمي في أيام التشريق لا يجوز قبل الزوال.
هذا على اعتبار أنها ليست بنازلة، أما على اعتبار أنها نازلة هل نقول به مع ما يحصل من قتل الناس بعضهم بعضًا بسبب التدافع والزحام الشديد؟ قال بعض أهل العلم بجواز الرمي قبل الزوال، لا سيما والحاجة داعية إلى القول بالجواز، خصوصًا في يوم النفر الأول، وهو ثاني أيام التشريق، لشدة الزحام وعظيم الضرر الحاصل من جرَّاء تدافع الناس واجتماعهم لتحيُّن وقت الرمي، كما لا يخفى. فلا يخلو عام من الأعوام تقريبًا من وقوع وفيات وإصابات بسبب هذا الاكتظاظ والتزاحم عند رمي الجمار يوم الثاني عشر من ذي الحجة، ولا ريب أن حفظ النفس من مقاصد الشريعة وكلِّيَّاتها، فحفظ النفس ودفع الضرر عنها أولى بالاعتبار.
ويرى الدكتور الموسى جواز الرمي قبل الزوال؛ لأن الحاجة داعية إليه، ويرى الدكتور المطلق جوازه؛ لأن الأدلة تجيز ذلك.