في قول جمهور أهل العلم؛ وليس لدى من قال بمنع العمل على تحديد جنس الجنين دليل يستند إليه، فيبقى الأصل محفوظًا مستصحبًا.
الدليل الثاني: أن طلب جنس معين في الولد لا محظور فيه شرعًا، فالله تعالى قد أقرَّ بعض أنبيائه الذين سألوه في دعائهم أن يهب لهم ذكورًا من الولد. فهذا نبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- سأل الله تعالى أن يرزقه ولدًا ذكرًا صالحًا، فأجابه الله تعالى، وكذلك نبي الله زكريا -عليه الصلاة والسلام- دعا ربه أن يهبه غلامًا زكيًا، فأجابه الله تعالى ولو كان هذا الدعاء سؤالًا لمحرم لكان محرمًا ولمنعه الله تعالى ولما أقرَّه، فإن الدعاء بالمحرم محرم. فلما جاز الدعاء بطلب جنس معين في الولد، وهو سبب من الأسباب التي تُدرك بها المطالب، دل ذلك على أن الأصل جواز العمل على تحديد جنس الجنين بالأسباب المباحة؛ لأن ما جاز سؤاله وطلبه جاز بذل السبب لتحصيله.
الدليل الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيَّن السبب الطبيعي الذي يُوجِب الإذكار أو الإيناث بإذن الله كما في صحيح الإمام مسلم من حديث ثوبان أن يهوديًّا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الولد. قَال - صلى الله عليه وسلم -: "مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ المَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلاَ مَنيُّ الرَّجُلِ مَنيَّ المَرْأَةِ أَذْكرَا بِإِذْنِ الله، وَإِذَا عَلاَ مَنيُّ المَرْأَةِ مَنيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ الله". قَالَ اليَهُودِىُّ: لَقَدْ صَدَقْتَ وإنَّكَ لَنَبِيٌّ ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَبَ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ سَأَلَني هَذَا عَنِ الَّذِي سَأَلَني عَنْهُ وَمَا لِي عِلمٌ بِشَيءٍ مِنْهُ حَتَّى أَتَانِىَ اللهُ بِهِ"(١). وهذا يفيد أن الإذكار والإيناث في الجنين أمرٌ يستند إلى سبب طبيعي معلوم. وليس في الحديث ما يشعر بأنه مما استأثر الله به، بل هو كسائر الأسباب الطبيعية التي متى قدر الخلق على إيجادها، فقد أدركوا المقدمة التي يمكن أن يصلوا بها إلى النتيجة.
(١) رواه مسلم، كتاب الحيض، باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما (٤٧٣).