والذي يترجح عندنا جواز المشارطة على البرء، وأنها من باب الجعالة لا من باب الإجارة؛ لأنها تحمل معنى عدم استحقاق المقابل إلا عند البرء فكأن المريض قال: إذا عالجتني فشفاني الله على يديك كان لك عندي كذا، وهذه صيغة واضحة في معنى الجعالة التي لا تعدو أن تكون التزامًا بعوض معلوم على عمل معين أو مجهول.
وبناء على اعتبار المشارطة على البرء جعالة فإنه يثبت ما يأتي:
أ- أنه لا يجوز اشتراط تقديم الأجرة، وإن جاز دفعها مقدمًا دون شرط، فهذا ما تقتضيه طبيعة الجعالة، فضلًا عن أن تقديم الأجرة يجعلها تتردد بين السلف والجعالة وذلك ممنوع شرعًا.
ب- إنه يجوز لكل من طرفي الجعالة فسخ العقد؛ لأنه عقد على عمل مجهول بعوض، فجاز لكل واحد منهما فسخه كالمضاربة، فإن فسخ الطبيب لم يستحق شيئًا؛ لأن الجعل يستحق بالفراغ من العمل وقد تركه فسقط حقه، وإن فسخ المريض، فإن كان قبل العمل لم يلزمه شيء، وإن كان بعد ما شرع الطبيب في العمل لزمه أجر المثل لما عمل، وهنا نؤكد أن الاشتراط على البرء في العصر الحالي يجب أن يكون واضحًا وضوحًا لا لبس فيه، إذ العرف يجري على اعتبار التزام الطبيب في عقد العلاج؛ لأنه التزام ببذل عناية، وليس التزامًا بتحقيق الشفاء، وبالتالي فإن الإقرار بعدم استحقاق المقابل إلا عند البرء هو على خلاف الأصل، فلا يفترض، ولا يحق أن يكون نتيجة تفسير موسع لما اتفق عليه الطرفان.