للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِي) (١) هو من هذا، وعن أبي الدرداء: هي صحة الجسد.

وأما الغناء من الصوت فهو ممدود. وفي الحديث: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرْآنِ) (٢) قال سفيان: معناه يستغن به. يقال: تغانيت وتغنيت بمعنى استغنيت. وفي الحديث: (ما أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ إِذْنَهُ لِنَبِيءٍ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ) (٣) يريد يجهر به، فسره في الحديث: أنه من الجهر وتحسين الصوت، كما قال في الحديث الآخر: (زَيِّنُوا القُرْآنِ بِأَصْوَاتِكُمْ) (٤) وقيل: هذا المعنى في الحديث الأول، وكل رفع صوت عند العرب غناء. وقيل: معناه تحزين القراءة وترجيعها. وقيل: معنى يتغنى به أي: يجعله هجيراه، وتسلية نفسه، وذكر لسانه في كل حالاته، كما كانت العرب تفعل ذلك بالشعر والحداء والرجز، في تصرفاتها وأسفارها واستقائها وحروبها وأنديتها.

وقول: عثمان لعمار حين أتاه من عند علي بكتاب صدقة رسول الله : (أغنها عنا) (٥) بقطع الألف أي: اصرفها وسر بها عنا. وقيل: كفها عني. يقال: أغن عني شرّك أي: كفه. وقيل ذلك في قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)[عبس: ٣٧]، وفي قوله: ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ﴾ [آل عمران: ١٠] ومثله: ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [الجاثية: ١٩] أي: يمنع ويكف.

قوله: (جاريتان تغنيان بما تقاولت به الأنصار، قال: وليستا بمغنيتين) (٦) الغناء الأول من الإنشاد، والثاني من الصفة اللازمة أي: ليستا ممن اتصف بهذا، واتخذه صناعة إلا كما ينشد الجواري وغيرهن من الرجال في خلواتهم، ويترنَّمون به من الأشعار في شؤونهم، ويحتمل أن يكون "ليستا بمغنيتين" الغناء المصنوع العجمي، الخارج عن إنشادات العرب.


(١) الموطأ (٦٠٤).
(٢) البخاري. (٧٥٢٧).
(٣) البخاري (٥٠٢٤).
(٤) النسائي (١٠١٤).
(٥) البخاري (٣١١٢).
(٦) البخاري (٩٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>