ولَيْسَ مِنَّا مَنْ فَعَلَ كذا، ولم أعرَ عبقريًا من الناس، في أحاديث لا تُعَد.
والمعنى الثاني: البيان وتمييز الجنس، وهو كثير أيضًا كقوله:(ويل للأعقاب من النار) و (نعوذ بالله من فتنة المسيح) ومن كذا ومن كذا، و (لا أحد ومن أحب إليه المدحة من الله)(ولا أحد أصبر على أذى من الله)(ولا أغير من الله) ومنه: (كان أجود من الريح المرسلة) وقوله: (وما أنت أعلم به مني).
وقوله:
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
وهل تعلم الذي أعلم منك.
ومن معانيها ابتداء الغاية، ومنه قوله:(منك وإليك) و (سمعته من رسول الله ﷺ وحكى قوم من النحاة أنها تأتي لانتهاء الغاية من قولهم: رأيت الهلال من خلل السحاب، وقد يقال هذا في قوله ﵇: (كما ترون الكوكب الدري الغابر من الأفق) وهذا غير سديد عندي، بل هو على الأصل في الابتداء أي: ابتداء ظهوره إلي من خلل السحاب.
ومن معانيها تأكيد العموم والاستغراق، كقوله:(مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّه)(وَمَا مِنْ أَحَدٍ)(وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَة إلا كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً) وبعضهم يسميها هنا زائدة كقوله: ما جاءني من أحد أي: أحد، وأبى ذلك سيبويه وقال قولك: ما رأيت أحدًا أو ما جاءني أحد، قد يتأول أنه أراد واحدًا منفردًا، بل جاءه أكثر، فإذا قال من أحد أكد الاستغراق والعموم، وارتفع التأويل، هذا معنى كلامه.
ومن هذا المعنى. قوله: توضؤوا من عند آخرهم، إنه للاستغراق وتأكيد العموم، و (ليس من البر أن تصوموا في السفر).
ومن معانيها استئناف كلام غير جنس الأول واستفتاحه، والخروج عن غيره: كقول عائشة: وأثنت على سودة ثم قالت: (من امرأة فيها حدة (١).