للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا كملت بحول الله هذه الأغراض وصحت تلك الأمراض، رجوت ألا يبقى على طالب معرفة الأصول المذكورة إشكال، وأنه يستغني بما يجده في كتابنا هذا عن الرحلة لمتقني الرجال، بل يكتفي بالسماع على الشيوخ إن كان من أهل السماع والرواية، أو يقتصر على درس أصل مشهور الصحة، أو يصحّح به كتابه ويعتمد فيما أشكل عليه على ما هنا إن كان من طالبي التفقه والدراية.

فهو كتاب يحتاج إليه الشيخ الراوي كما يحتاج إليه الحافظ الواعي، ويتدرج به المتبدي كما يتذكر به المنتهي، ويضطر إليه طالب التفقه والاجتهاد كما لا يستغني عنه راغب السماع والإسناد، ويحتج به الأديب في مذاكرته كما يعتمد عليه المناظر في محاضرته، وسيعلم من وقف عليه من أهل المعرفة والدراية قدره ويوفيه أهل الأنصاف والديانة حقه.

فإني نخلت فيه معلومي، وبثثته مكتومي، ورصعته بجواهر محفوظي ومفهومي، وأودعته مصونات الصنادق والصدور، وسمحت فيه بمضمونات المشائخ والصدور، مما لا يبيحون خفي ذكره لكل ناعق، ولا يبوحون بسره في متداولات المهارق (١)، ولا يقلدون خطير دره إلا لَبَّات (٢) أهل الحقائق، ولا يرفعون منها راية إلا لمن يتلقاها باليمين، ولا يودعون منها آية إلا عند ثقة أمين.

وقد ألفته بحكم الاضطرار والاختيار، وصنفته منتقي النكت من خيار الخيار، وأودعته غرائب الودائع والأسرار، وأطلعته شمسًا يشرق شعاعها في سائر الأقطار، وحررته تحريرًا تحار فيه العقول والأفكار، وقرَّبته تقريبًا تتقلب فيه القلوب والأبصار، وسميته: "بمشارق الأنوار على صحاح الآثار" وإلى الله جل اسمه ألجأ في تصحيح عملي ونيتي، وإليه أبرأ من حولي وقوتي، ومنه استمد الهداية لهمي وعزمتي، وإياه أسأل العصمة والولاية لجملتي، والعفو والغفران لذنبي وزلتي، إنه منعم كريم.


(١) (المهارق) جمع مهرق: وهو الصحيفة كما في القاموس.
(٢) (لبات): جمع لبة، وهي موضع القلادة من الصدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>