وما من شكَّ في أن أثر هذا الكتاب يتجلى واضحًا في مقدمة فتح الباري للإمام ابن حجر، وذلك في ثلاثة فصول منها، وهي في مجموعها أكثر من نصف الكتاب، وهي الفصل الخامس:(في سياق الألفاظ الغريبة مرتبة على حروف المعجم) والفصل السادس (في بيان المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى) والفصل السابع (في تبيين الأسماء) على اختلاف أقسامه.
والكتاب بعد هذا، يبين مقدار الجهد الذي بذل في حفظ السنة، حيث يُقام عمل موسوعي مقارن بين المرويات عن الأئمة، لضبط كلمة، أو بيان حرف، أو التنبيه على وهم أو تصحيف ..
وهو جهد لا يستطيع تقديره إلا العاملون في هذا الميدان، وبخاصة إذا تذكرنا أن التعامل يومئذٍ كان مع كتب مخطوطة، والخطوط متفاوتة بين جيد ووسط وردئ.
ولهذا كان من حق المؤلف ﵀ وقد عرف قيمة ما قدم أن يتحدث عن كتابه مثنيًا عليه ومفتخرًا به فيقول:" .. وصنفته منتقي النكت من خيار الخيار، وأودعته غرائب الودائع والأسرار، وأطلعته شمسًا يشرق شعاعها في سائر الأقطار، وحررته تحريرًا تحار فيه العقول والأفكار، وقربته تقريبًا تتقلب فيه القلوب والأبصار، وسميته بمشارق الأنوار على صحاح الآثار .. "(١).
وإذا كان المؤلف قد جعل من كتابه شمسًا يشرق شعاعها في سائر الأقطار، فإن "ابن الصلاح" يعجب للإشراق أن يصدر من الغرب فيقول:
مشارق أنوار تَسَنَّتْ بِسَبْتَة … وذا عجب كون المشارق بالغرب