للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أجاب بعض العلماء عن ذلك بأن الوعيد إنما هو خاص بقضاة الجور قال ابن فرحون: إن كل ما جاء من الأحاديث التي فيها تخويف ووعيد لمن تولى القضاء إنما هي في حق قضاة الجور أو الجهّال الذين يُدْخِلُون أنفسهم في هذا المنصب بغير علم ففي هذين الصنفين جاء الوعيد. أما الحديث الأول فإنه يتضمن شرف القضاء وأن الله مع القاضي العادل، وأما الحديث الثاني ففيه دليل على فضيلة القاضي بالحق؛ إذ جعله ذبيح الحق امتحانا له؛ لِتَعْظُمَ له المثوبة امتنانًا ويبلغ بذلك حال الشهداء الذين لهم الجنة (١). وَأَمَّا الحديث الثالث فإن الوعيد فيه خاص بالجائر والجاهل بخلاف المجتهد في طلب الحق والحكم به ففيه بيان فضله وقد تقدم أن المجتهد في طلب الحق له أجر ولو أخطأ ولم يصب الحق.

ولقد تولى رسول - صلى الله عليه وسلم - القضاء وتولى بعده الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم -، وقضوا بين الناس بالحق، ودخولهم فيه دليل على علو قدره، ووفور أجره، ومن بعدهم تبع لهم، ووليه بعد الصحابة أكابر التابعين وتابعيهم. ومن كره الدخول في القضاء من العلماء مع فضلهم وصلاحيتهم، وصلاحهم فهو محمول على المبالغة في ورعهم وسلوك طريق السلامة فإن الأمر فيه خطير، ولعلهم رأوا من أنفسهم فتورًا، أو خافوا التقصير فيه أو أن لا يُنَفَّذَ ما حكموا به، أو أنه لم يتعين عليهم؛ لوجود غيرهم، أو خافوا من الاشتغال به الإقلال من وظائفهم في العبادات وتحصيل العلم وغير


= قال الحافظ العراقي: إسنادُهُ صحيحٌ. المغني عن حمل الأسفار (١/ ٤٠)، برقم (١٥٢). وقال ابن الملقن: هذا الحديث صحيح. البدر المنير (٩/ ٥٥٢). وقال ابن عبد الهادي: إسناده جيد. المحرر في الحديث (١/ ٦٣٧)، برقم (١١٧٠). وقال أيضًا في تنقيح تحقيق أحاديث التعليق (٣/ ٥٣١): حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (٤/ ١٩٦). وقال أيضًا ورواه الطبراني في الكبير ورجال الكبير ثقات. مجمع الزوائد (٤/ ١٩٣). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٢/ ٣٩١)، برقم (٣٥٧٣).
(١) تبصرة الحكام (١/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>