للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما البصر (١): فإن به يمكن التمييز بين الخصوم من مدع ومدعى عليه أو مقر ومقر له، بالإضافة إلى استطاعة القاضي التمييز بين الشهود وحاسة البصر لها أهمية كبرى في بيان ما يظهر على الماثلين أمام القاضي من تأثيرات تبدو على وجوههم وتصرفاتهم نتيجة الاطمئنان أو الخوف أو الذعر وهذا كله يساعد على إثبات صدقهم أو كذبهم سواء في الادعاء أو الشهادة فلا يصح تقليد الأعمى القضاء عند الجمهور؛ لأنه لا يعرف المدعي من المدعى عليه، ولا المقر من المقر له، ولا الشاهد من المشهود له أو عليه، فيدخل الخلل على المقصود من القضاء فلا يجوز تقليده.

قال ابن فرحون: "وأما سلامة السمع والبصر، فإن القاضي عياض حكى فيه الإجماع من العلماء، مالك وغيره وهو المعروف إلا ما حكاه الماوردي (٢) عن مالك أنه يجوز قضاء الأعمى وذلك غير معروف، ولا يصح عن مالك؛ ولأنه لا يتأتى قضاء ولا ضبط ولا ميز محق من مبطل ولا تعيين طالب من مطلوب ولا شاهد من مشهود عليه من الأعمى" (٣).

قال الخطيب الشربيني: "لا يولى أعمى ولا من يرى الأشباح ولا يعرف الصور؛ لأنه لا يعرف الطالب من المطلوب فإن كان يعرف الصور إذا قربت منه صح، وخرج بالأعمى الأعور فإنه يصح توليته وكذا من يبصر نهارًا فقط دون من يبصر ليلًا فقط وهو الأعشى" (٤).

ويلاحظ عمليًا أنه قد تولى بعض الأكفاء القضاء في المملكة العربية


(١) المغني (١٤/ ١٣)، مغني المحتاج (٤/ ٣٧٥).
(٢) الأحكام السلطانية (ص: ٨٤).
(٣) تبصرة الحكام (١/ ٢٢ - ٢٣).
(٤) مغني المحتاج (٤/ ٣٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>