للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القيامة (١)، كذا جاء في هذا الكتاب. قيل: هو على الشك، ويبعد عندي لأن هذا الحديث رواه نحو العشرة من أصحاب النبي بهذا اللفظ، ويبعد تطابقهم فيه على الشك، والأشبه أنه صحيح وإن أو للتقسيم، فيكون شهيدًا لبعضهم شفيعًا للآخرين، أما شهيدًا لمن مات في حياته. كما قال : أما أنا شَهِيدٌ عَلَى هؤُلاءِ. شفيعًا لمن مات بعده، أو شهيدًا على المطيعين، شفيعًا للعاصين وشهادته لهم بأنهم ماتوا على الإسلام، ووفوا بما عاهدوا الله عليه، أو تكون أو بمعنى الواو فيختص أهل المدينة بمجموع الشهادة والشفاعة، وغيرهم بمجرد الشفاعة - والله أعلم - وقد روي حديث فيه له شهيدًا وشفيعًا.

قوله: اللاعنون لا يكونون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة (٢)، يحتمل أن يريد لا يشهدون فيمن يشهد مع النبي لله يوم القيامة على الأمم الخالية، ولا يشفعون معاقبة لهم بلعنهم. وقد قيل هذا في معنى الشهيد المقتول، أو تكون شهادتهم هنا أن يروا ويشاهدوا ما لهم من الخير والمنازل حين موتهم. وقيل: هذا أيضًا في معنى تسمية الشهيد. وقيل: سمي الشهيد شهيدًا لأن الله وملائكته شهدوا له بالجنة، وقيل: لأنه شاهد ما له وأحيي، كما قال الله تعالى ﴿أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩].

وقوله: الشهداء سبعة المبطون شهيد (٣). قيل: سمي الشهيد وهؤلاء شهداء، وغيرهم ممن سمي بذلك، لأنهم أحياء. قال ابن شميل: الشهيد الحي كأنه تأويل قوله ﴿أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ أي: أحضرت أرواحهم دار السلام من حين موتهم، وغيرهم لا يحضرها إلا يوم دخولها، كما جاء في أرواح الشهداء أنها في حواصل طيور خضر: تسرح في الجنة، وتأوي إلى قناديل تحت العرش. وقيل: في معناه ما تقدم فيكون شهيد هنا بمعنى: شاهد. وقيل: سمي بذلك لأنه شهد له بالإيمان، وحسن الخاتمة لظاهر حالته، فيكون هنا بمعنى مشهود له. وقيل سمي بذلك لجري دمه على الأرض، والشهادة وجه الأرض. وقيل: بل لأن الملائكة تشهد له. وقيل: لأنه شهد له بوجوب الجنة. وقيل: سمي بذلك من أجل شاهده على قتله في سبيل الله، وهو دمه كما جاء في الحديث فيمن يكلم في سبيل الله، والشهيد من أسماء الله تعالى. قال القشيري: معناه المشهود أي: كان العباد يشهدونه ويعرفونه، ويحققون وجوده. وقيل: هو بمعنى المبيّن الدلائل والحجج. وقد قيل في قوله تعالى ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [آل عمران: ١٨] أي: يبين. قال ثعلب، ومنه سمي: الشاهد لأنه يبين الحكم. وقيل مثله في قوله تعالى ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا﴾ [الأحزاب: ٤٥] أي: مبينًا. وقيل: شاهدًا على أمتك بتبليغك إليها. وقيل: الشهيد معناه الذي لا يغيب عنه شيء، شاهد وشهيد كعالم وعليم. وقيل: الشاهد للمظلوم الذي لا شاهد له، والناصر لمن لا ناصر.

وقوله: يشهد إذا غبنا (٤) أي: يحضر.


(١) أخرجه مالك في المدينة حديث ٣.
(٢) أخرجه مسلم في البر حديث ٨٥، ٨٦.
(٣) أخرجه مالك في الجنائز حديث ٣٦.
(٤) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ١١٢، ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>