للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن الطوع وفعل أقبح ما يفعل بالنوام، ومن يذل ويقهر. وقال الحربي: بال هنا بمعنى ظهر عليه وسخر منه. وقال ابن قتيبة: معناه هنا أفسده. وقال غيره: يقال لمن استخف بإنسان وخدعه: بال في أذنه. ومنه قوله تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١٩] قيل: ويجوز أن يكون معناه: أخذه بسمعه على سماع نداء الملك: هَلْ مِنْ داعٍ فَأَسْتَجِيبُ لَهُ. الحديث وشغله له بوسوسته وتزيينه النوم له (١)، فهو كالبول في أذنه، لأنه نجس خبيث مخبث، وأفعاله كذلك.

قال القاضي : ومثل هذا قولهم: ثفل فلان في أذن فلان، ونفث في أذنه إذا ناجاه.

قال القاضي : ولا يبعد أن يكون على وجهه، ومقصد الشيطان بذلك إذلاله أو تمام طاعته له، وتأتي ما يريد منه، لما أطاعه أول أمره بترك القيام للصلاة، والفعل لما أراد مكنه الله منه، ولم يمنعه مانع البول في إذنه حتى استغرق في نومه وبلغ منه تمام مراده، وقد يكون بال في أذنه كناية عن ضرب النوم عليه، واستعار ذلك له وخصه بالأذن لكونها حاسة المتنبه بكل حال، وموقظة النائم بما يطرأ عليه من الأصوات كما قال تعالى ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا﴾ [الكهف: ١١] [الكهف: ١١] فخص الضرب بالأذن.

[(ب و ن)]

قوله: في تطبيق الناس في العدالة بون ما بينهما أي بعده أو اختلافه، وفرق ما بينهما. والبون: البعد والبون مسافة ما بين الشيئين. والبون: الاختلاف بين الشيئين. وحكى بعضهم في البعد البون بالضم وأنشد عليه:

إلى غمرة لا ينظر القوم بونها (٢)

[(ب و ع)]

قوله: قربت عنه باعًا (٣)، وفي رواية أخرى: أو بوعًا على الشك، بسكون الواو وفتح الباء وهما بمعنى صحيحان الباع والبوع. والبوع بالفتح والضم، واحد وهو طول ذراعي الإنسان وعضديه، وعرض صدره وهما أربعة أذرع. قال الباجي: وهي من الدواب قدر خطوتها في المشي وهو ما بين قوائمها، وذلك ذراعان، والبوع أيضًا مصدر باع إذا بسط باعه، ومد في سيره. المراد هنا ما جاء في الحديث في حق الله تعالى من مجيبه كذلك أو المجيء إليه وتمثيله بالذراع، والباع والمشي والهرولة مجاز كلام العرب، والاستعارة لمجازاة الله عبده عند طاعته له وإنابته إليه وإقباله على عبادته بقبول توبته، وتيسيره لطاعته، ومعونته عليها، وتمام توفيقه وهدايته، والله أعلم بمراده.


(١) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ١٧٠، بلفظ: "هل من داع يستجاب له"، وأخرجه البخاري في التهجد باب ١٤، والتوحيد باب ٣٥، ومسلم في المسافرين حديث ١٦٨، ١٦٩، ١٧٠، بلفظ: "من يدعوني فأستجيب له".
(٢) صدره: إذا جاوزوا معروفَه أسْلمتهم
والبيت من الطويل، وهو لكثير عزّة في ديوانه ص ٢٤٢، ولسان العرب (بون) والمعاني الكبير ص ٨٣٠، ويروي: "نُونُها" بدل: "بونَها".
(٣) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٥٠، ومسلم في الذكر حديث ٢، ٣، ٢٠، ٢١، ٢٢، والتوبة حديث ١، بلفظ: "تقرّبت منه باعًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>