للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على شيوخنا أبي الحسين وغيره، وأنكر الخليل التثقيل وغلط قائله، ومعناه يعمل عمله ويقوي قوته، يقال: فلان يفري الفري أي: يعمل العمل البالغ، ومنه ﴿لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٧] أي: عظيماً عجباً، يقال: فريت: إذا قطعت وشققت على جهة الإصلاح، وأفريت: إذا فعلته على جهة الإفساد، ومنه قول حسان: لأفرينهم فري الأديم (١): يريد لأقطعن أعراضهم تقطيع الأديم وتشقيقه.

وقوله: ما فرى الأوداج (٢) أي: شقها وقطعها، كذا روايتنا فيه. وقيل: بل كلام العرب في هذا أفرى، وما أفرى الأوداج أي: شقها وأخرج ما فيها وقتل صاحبها، فكأنه من الإفساد عنده. قال القاضي : والرواية صحيحة لأن الذكاة إصلاح لا إفساد، وقيل: فرى المزادة خرزها كأنه يريد قطعها للخرز، وأفرى الجرح بطنه.

وقوله: من أفرى الفراء ممدودان يدعي الرجل غير أبيه (٣) أي: من أشد الكذب، والفرية: بكسر الفاء الكذبة العظيمة. يقال: منه فري: بالكسر يفري وافترى افتراء وفرية: إذا كذب واختلق كلاماً زوراً.

[فصل الاختلاف والوهم]

قوله: لم أرك فرغت لأبي بكر وعمر كما فرغت لعثمان، كذا قيدناه على القاضي أبي علي: بالراء والغين المعجمة، من الفراغ والتهمم، كما قدمناه في بابه، وقيدناه على أبي بحر، وغيره: فزعت (٤) بالزاي والعين المهملة من الذعر والهيبة، أو من الهبوب والمبادرة، كما سنذكره بعد هذا في بابه، وهذا هو الأظهر.

وقوله: في رواية أبي النضر في حديث الوباء: فلا يخرجكم الإفرار منه: بالضم عند أكثر الرواة للموطأ، عن يحيى، ولابن بكير، وغيره من رواة الموطأ، وهو البين الوجه أي: لا تخرجوا بسبب الفرار، ومجرد قصده لا لغير ذلك، وأن الخروج للسفر والحاجة مباح كما قال: فلا تخرجوا فراراً منه. ورواه القعنبي: إلا الفرار منه، وكذلك قال ابن أبي مريم وأبو مصعب من رواة الموطأ، وهكذا رواه الجوهري، عن يحيى بن يحيى، ورواه أبو عمر بن عبد البر في الموطأ، وعلي اختصره في التقصي الإفرار منه: بالنصب. قال: ووقع في نسخ بعض شيوخنا إلا فراراً، والإفرار: بالرفع والنصب. قال: وكذلك في كتاب يحيى. قال: ولعل ذلك كان من مالك، وأهل العلم بالعربية، يأبون هذه الرواية، لأن دخول إلا هنا بعد النفي لإيجاب بعض ما بقي قبل من الخروج فكأنه نهى عن الخروج إلا للفرار، خاصة وهذا ضد المقصد والمنهي عنه، إنما هو الخروج للفرار خاصة لا لغيره، وبعضهم جوز ذلك وجعل قوله إلا فراراً حالاً لا استثناء أي: لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم، إلا للفرار، فتطابق الرواية، والرواية الأخرى: فلا تخرجوا فراراً منه، ولا يخرجنكم الفرار منه لأجل ذلك، ووقع للقنازعي ووهب ابن مسرة في الموطأ: فلا يخرجكم إلا فرار، وهذا وهم


(١) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ١٥٧.
(٢) أخرجه مالك في الذبائح حديث ٦.
(٣) أخرجه البخاري في المناقب باب ٥.
(٤) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>