للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسمرقندي، وعند العذري تعمر فيه، وكلاهما صحيح والأول أوجه.

[العين مع النون]

[(عن)]

قوله: اعلم أن عن حرف جار مثل من قالوا وهي بمعنى من إلا في خصائص تخصها إذ فيها من البيان والتبعيض نحو ما في من قالوا: إلا أن من تقتضي الانفصال في التبعيض، وعن لا تقتضيه تقول أخذت من زيد مالًا فتقتضي انفصاله، وأخذت عنه علمًا فلا تقتضي انفصالًا، ولهذا اختصت الأسانيد بالعنعنة، وهذا غير سديد وإن كان قاله مقتدي به، لأنه يصح أن يقال: أخذ من علم زيد، وأخذت منه علمًا فلا تقتضي انفصالًا، وأخذت عن زيد ثوبًا فتقتضي انفصالًا. وقد حكى أهل اللسان: حدثني فلان من فلان بمعنى عنه، وإنما الفرق بين الانفصال والاتصال فيهما فيما يصح منه ذلك، ولا يصح لا من مقتضى اللفظتين.

وقوله: اقتصروا عن قواعد إبراهيم (١) أي: من قواعده ونقصوا منها فهي هنا بمعنى من، وقد تأتي عن اسمًا يدخل عليها حرف الخفض، قالوا: ومنه يقال: أخذت الثوب من عنه. قال القاضي : قد يقال: إن من هنا زائدة ولأنها تدخل على جميع الصفات عندهم إلا على الباء واللام، وفي لقلتها فلم تتوهم العرب فيها الأسماء توهمها في غيرها من الصفات، وقد جاءت عن بمعنى على كما قال: لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني؛ أي: علي وجاء مثله كثيرًا في الأحاديث كقوله في حديث السقيفة: وخالف عنا علي والزبير أي: علينا، وقد فسرناه في الخاء.

وقوله: في خبر أبي سفيان لكذبت عنه أي: عليه كما جاء في الرواية الأخرى.

وقوله: كتمت عنكم حديثًا أي: عليكم كما جاء في الرواية الأخرى. وفي الجنائز لما سقط عنهم الحائط، كذا للكافة، وعند القابسي وعبدوس: عليهم وهما بمعنى، وقد تكون عنهم أي: عن القبور المشار إليها في الحديث، وعليهم على بابها.

وقوله: اقتصروا عن قواعد إبراهيم، وعند أبي أحمد: على قواعد إبراهيم.

وقوله: أعلقت عنه من العذرة أي: عليه وكذا جاء في الرواية الأخرى، ومثله قوله: ولا تضنن عني أي: علي، كما جاء في الرواية الأخرى، يقال: بخلت عنه وعليه. قال الله تعالى ﴿فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ﴾ [محمد: ٣٨] وقد ذكرنا هذا كله، وبيّناه في حرف العين واللام، وتأتي بمعنى من أجل كقوله: وكان يضرب الناس عن تلك الصلاة، وأضرب الناس عنهما يعني: الركعتين بعد العصر أي: من أجلهما. ومنه قول الشاعر:

لورد تقلص الحيطان عنه (٢)


(١) أخرجه بلفظ: "اقتصر على قواعد إبراهيم"، البخاري في الحج باب ٤٢، وأحاديث الأنبياء باب ١٠، وتفسير سورة ٢، باب ١٠، ومسلم في الحج حديث ٤٠٣، ومالك في الحج حديث ١٠٤.
(٢) يروى البيت بتمامه:
لورْدٍ تَقْلصُ الغيطان عنه … يبكُّ مسافة الخمس الكمالِ
والبيت من الوافر، وهو للبيد في ديوانه ص ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>