للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يصح إطلاق هذا اللفظ على وجهه في حق الله ﷿، وإنما يفدى من المكروه من يلحقه، والله تعالى منزّه عن ذلك. وقيل: فيه تأويلات منها، أنه قد يكون على معنى ألفاظ العرب التي تدعم بها كلامها، وتصل بها خطابها، وتؤكد به مقاصدها، ولا يلتفتون إلى معانيها، كقولهم: ويل أمه وتربت يمينه. وقيل: يحتمل أن يكون على القطع ومداخلة الكلام، وأنه التفت بقوله: فداء لك إلى بعض من يخاطبه ثم رجع إلى تمام دعائه، وفي هذا بعد وتعسف كثير في الكلام. وقيل: قد يكون على معنى الاستعارة. فإن المراد بالتفدية هنا: التعظيم والإكبار لأن الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه، وكان مراده في هذا: أبذل نفسي، ومن يعز علي في رضاك وطاعتك، وقد ذكر المازري: أن بعضهم رواه: فاغفر لنا بذاك ما ابتغينا، وهذا لا إشكال فيه، لكنه لم يكن عند أحد من شيوخنا في الصحيحين. وقد تقدم الخلاف في حرف الباء في قوله: اقتفينا، وقد ضبطنا في هذا الحرف فداء وفداء بالرفع، على الابتداء، أو خبره أي: نفسي فداء لك، أو فداء لك نفسي، والنصب على المصدر، وذكرنا في حرف الراء قوله: قطيفة فدكية والخلاف فيه والصواب.

قوله: في حديث خطبة الفتح: إما أن يعقل وإما أن يقاد أهل القتيل (١). وفي بعض الروايات، قال البخاري: يقاد بالقاف، وكذا الرواية عندنا، فيه في جميع النسخ في باب كتابة العلم. وحكى الداودي فيه: يفادى وهو اختلال بمعنى يعقل وقد ذكره البخاري في باب: من قتل له قتيل ومسلم إما أن يؤدي وإما أن يقاد، وهذا موافق للرواية الأولى، وذكره مسلم: إما أن يفدي وإما أن يقتل، وذكره أيضاً إما أن يعطي يعني: الدية، وإما أن يقاد أهل القتيل وكله بمعنى.

[الفاء مع الذال (ف ذ ذ)]

قوله لا يدع شاذة ولا فاذة (٢)، وإلا هذه الآية الجامعة الفاذة (٣)، ويروى: الفذة وفاذة بمعنى: شاذة سواء، وكذلك فذة وكله بمعنى منفرد أي: لا يدع أحداً ولا من شذ وانفرد، ولا يسلم منه من خرج عن جماعة العسكر، ولا من فيه، وإنما هي عبارة عن المبالغة أي: لم يدع نفساً إلا قتلها واستقصاها، وهو مثل، يقال ذلك لمن استقصى الأمر أي: لم يترك ما وجد واجتمع ولا ما فذ وانفرد. قال ابن الأعرابي: يقال: ما يدع فلاناً شاذاً ولا فاذاً، إذا كان شجاعاً لا يلقاه أحد إلا قتله، ومعنى الآية الجامعة الفاذة أي: العامة لجميع أفعال الخبر بقوله ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧] إلى آخرها، فعم في الحمر ما فسره في الخيل وغير ذلك، ومعنى الفاذة: المنفرد العلية المثل في بابها.

وقوله: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ (٤) منه أي: المنفرد المصلي وحده، ولغة عبد


(١) أخرجه البخاري في العلم باب ٣٩، ومسلم في الحج حديث ٤٤٨.
(٢) أخرجه البخاري في الجهاد باب ٧٧، والمغازي باب ٣٨.
(٣) أخرجه البخاري في الشرب باب ١٢، والمناقب باب ٢٨، وتفسير سورة ٩٩، باب ١، ٢، والاعتصام باب ٢٤، ومسلم في الزكاة حديث ٢٤، ومالك في الجهاد حديث ٣.
(٤) أخرجه البخاري في الأذان باب ٣٠، ومسلم في المساجد حديث ٢٤٩، ومالك في الجماعة حديث ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>