للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حرف الباء مع سائر الحروف

[(الباء المفردة)]

لحرف الباء مواضع في لسان العرب وتدخل على الأسماء فتخفضها لمعان شتى، وكذا جاءت في كتاب الله تعالى وحديث نبيّه وأصحابه ، وأصلها وأجلّ معانيها الالزاق لما ذكر قبلها من اسم أو فعل بمن ضمت إليه، فإذا قلت: مررت بزيد: فمعناه الزقت مروري به، وإذا قلت: المال بيد زيد. فقد الزقت به المال، وكذلك إذا دخلت للقسم في قولك: بالله لا فعلت كذا. فمعناه احلف بالله والزقت به قسمي، فحذف الفعل لدلالة الكلام عليه بدليل أنك إذا حذفت الباء ظهر عمل الفعل المحذوف في الاسم، فقلت: الله لتضربنّ زيداً. بالنصب هذا كلام العرب إلا في قولهم: الله لآتيك. فإنه عندهم خفض، وقد روى الرواة في قوله: إني معسر فقال: آلله. قال: الله. بالكسر والفتح، وأكثر أهل العربية يمنعون الفتح ولا يجيزون إلا الكسر سواء جئت بحرف القسم أو حذفته، فالباء مع هذا تأتي زائدة لا معنى لها وقد تسقط في اللفظ أيضاً، وتأتي بمعنى مِنْ أَجْلِ، وبمعنى في، وبمعنى عن، وبمعنى على، وبمعنى من، وبمعنى مع، وللحال، والبدل، والعوض، ولتأكيد النفي، وتحسين النظم، وبمعنى لام السبب.

فمما جاءت لهذه المعاني في هذه الأصول قوله: وصل الصبح بغبش (١): أي في غبش.

وكقوله: أكثرت عليكم بالسواك. ويروى: في السواك (٢)، ومثله: كنا نتحدث بحجة الوداع. وعند الأصيلي: في حجة الوداع، ولا ندري ما حجة الوداع. أي كنا نكررها ونذكر اسمها، الباء هنا وفي بمعنى. كما قيل في قوله تعالى ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ [مريم: ٤] أي في دعائك، وقيل: معناها هنا مِنْ أجلِ.

ومثله قوله: فلم أزل أسجد بها. ويروى فيها: يعني السجدة في انشقّت.

وقوله: أتريد أن تجعلها بي. أي تلزمني هذه المسألة وتولني درك فتياها، والهاء في تجعلها عائد على القصة أو الفتيا وشبهه، وقد تكون بمعنى مِنْ أَجْلِ، أي من أجل فتياي. ورأيي، وقد حكى سيبويه هذا من معانيها، وقد قيل ذلك في قوله ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ [مريم: ٤] كما تقدم المراد الكفارة أي تلزمنيها، والأول أظهر.

وقوله في القرآن: لهو أشد تفصياً من النعم


(١) أخرجه مالك في الصلاة حديث ٩.
(٢) أخرجه بلفظ "في السواك" البخاري في الجمعة باب ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>