للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم، وقد كان كثير منهم يحفظ كتابه، وكذلك كثير ممن سمعه منهم، فكيف لا يحفظ ما احتج به من القرآن، ولعل تلك الألفاظ المخالفة للتلاوة قراءات شاذة كانت قراءتهم، وإلى هذا كان يذهب بعض مشايخ شيوخنا، وهو تعسف بعيد، فإن القراءة الشاذة قد جمعها أصحاب علوم القرآن، وحصلوها وضبطوا طرقها ومواضعها، ولم يذكروا فيها شيئًا من هذه الحروف، وأيضًا فإن القراءة الشاذة غاية أمرها أن تعلم ولا تجوز التلاوة بها، ولا الصلاة ولا الحجة بها، فمما جاء ذلك في الموطأ في باب: ما يكره أكله من الدواب (١) قوله تعالى ﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: ٣٤] ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] كذا وقع في الموطأ عند يحيى، وابن بكير، وابن عفير، وكافتهم. وإنما تلاوته وصوابه: البائس الفقير، وأراه سقط على الرواية تمام الآية، وابتداء الآية الأخرى التي فيها ذكر القانع والمعتر. وقال بعد قوله ﴿الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨] و ﴿الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] على طريق التنبيه على ما في الآية الأخرى، لا على طريق التلاوة، وبدليل أن ملكًا فسر بأثر ذلك في رواية يحيى وابن عفير: البائس: الفقير، والمعتر: بالزائر، ولولا أنه ذكر البائس قبل لما فسره، وفي رواية ابن بكير اقتصر على تفسير (القانع والمعتر) وفي كتاب الظهار (٢) قوله ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] كذلك في الأمهات بزيادة منكم، وكذا عند عبيد الله بن يحيى، عن أبيه، وكذا عند ابن بكير، وأسقطه غيره وقرأه على الصواب. وفي الانتعال (٣) ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ﴾ [طه: ١٢] كذا عند يحيى وابن بكير، والتلاوة (فاخلع نعليك) وفي باب ما لا يجوز من القراضْ (٤) ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٩] كذا في كثير من أصول شيوخنا، وغيرهم عن يحيى، وكذا لابن بكير، والتلاوة وإن بالواو، وكذا في كتاب ابن عتاب، وغيره على الصواب، وهذا كله مما لا يشك أن الوهم فيه من الرواة، إذ لم يكن ملك ممن يجوز عليه هذا، لا سيما مع كثرة قراءة الكتاب عليه، وترداد عرضه من أهل الآفاق، وسماعهم منه. وقد كان يقول لهم ألم أرد عليكم سقطه، وقد كان يحضر قراءته الجمع العظيم، من علماء القرآن وحفاظه وغيرهم، فلا يمكن استمرار الخطأ عليهم، ولا مداهنته في السكوت على تغيير حرف من كتاب الله، وقد حكي أن ابنته فاطمة كانت تحفظه، فكان إذا وهم القارئ ضربت من خلف الحجاب حلقة الباب تنبهه، فإذا كان هذا فعل ابنته فما ظنك بغيرها؟ ومن ذلك في صحيح البخاري في باب الغسل (٥) ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ [النساء: ٤٣] إلى قوله ﴿غَفُورًا رَحِيمًا﴾ كذا عند الأصيلي والنسفي وغيرهما، والتلاوة ﴿عَفُوًّا غَفُورًا﴾ وكذا لأبي ذر، وفي باب اليتيم ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ كذا عند أبي


(١) انظر مالك في الذبائح حديث ١٥.
(٢) انظر مالك في النذور حديث ٧.
(٣) انظر مالك في اللبس حديث ١٦.
(٤) انظر مالك في القراض حديث ٤.
(٥) انظر البخاري في الغسل باب ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>