للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يكون الظل هنا على ظاهره، أما ظل العرش كما جاء في الحديث الآخر في ظل عرشه وأضافه إلى الله لملكه ذلك، أو على حذف مضاف، أو يراد بذلك ظل من الظلال وكلها الله تعالى كما قال ﴿فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾ [البقرة: ٢١٠] أي: بظلل وكل ما أظل فهو ظل، وظل كل شيء كنه، وقد يكون الظل هنا بمعنى الكنف والستر والعز، ويكون بمعنى في خاصته ومن يدني منزلته ويخصه بكرامته في الموقف، وقد قيل مثل هذا في قوله: السُّلْطَانُ ظِلُّ الله في الأَرضِ أي: خاصته. وقيل: ستره. وقيل: عزه، وقد يكون بمعنى الراحة والنعيم، كما قيل: عيش ظليل أي: طيب، ومنه الحديث الآخر: في الجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها (١)، كذا قيل في ذراها وكنفها، ويحتمل أن معناه: في روحها ونعيمها.

وقوله: أظلهم المصدق (٢)، وقد أظل قادمًا (٣) وأظلنا يوم عرفة (٤) أي: غشيهم أظله، كذا أي: دنا منه كأنه ألبسه ظله، ومنه قد أظل أي: غشيه أو كاد.

وقوله: في البقرة وآل عمران: كأنهما ظُلَّتانِ أو غَمَامَتَانِ (٥) بمعنى متقارب الظلة: السحابة، وجمعها ظلل. ومنه ﴿عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ [الشعراء: ١٨٩] ومنه. رأيت ظلة تنطف السمن والعسل (٦) أي: سحابة، ومنه الظلة من الدبر أي: السحابة منها.

وقوله: الجنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ (٧) معناه: أن شهرة السيوف والضرب بها موجب لها فكأنها معها وتحتها.

وقوله: ما زَالَتِ المَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا (٨) يحتمل وجهين: أنها أظلته لئلَّا تغيره الشمس إكرامًا، له والآخر وهو أظهر تزاحمها عليه للرحمة عليه والبر به.

وقوله: في الهجرة لها ظل لم تأتِ عليه الشمس أي: لم تفيء عليه، وهذا تفسير معنى الظل، والفرق بينه وبين الفيء: أن الظل ما كان من غدوة إلى الزوال مما لم تصبه الشمس، والفيء من بعد الزوال، ورجوعه إلى المشرق من المغرب مما كانت عليه الشمس قبل.

وقوله: يَظَلُّ الرجل شاخِصًا أي: يصير يقال: ظللت بكسر اللام أفعل كذا أظل: بفتح الظاء إذا فعلته نهارًا وظلت: بالفتح والكسر. قال تعالى ﴿ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾ [طه: ٩٧] ولا يقال في غير فعل النهار، كما لا يقال باتَ إلا لفعل الليل، ويقال: طفق فيهما ويكون ظل يفعل كذا بمعنى دام، قاله صاحب


(١) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ٨، وتفسير سورة ٥٦، باب ١، والرقاق باب ٥١، ومسلم في صفة الجنة حديث ٦، ٧، ٨.
(٢) أخرجه أبو داود في الزكاة باب ٥.
(٣) أخرجه البخاري في المغازي باب ٧٩، ومسلم في التوبة حديث ٥٣.
(٤) أخرجه البخاري في العمرة باب ٥.
(٥) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٢٥٢، ٢٥٣.
(٦) أخرجه البخاري في التعبير باب ٤٧، ومسلم في الرؤيا حديث ١٧.
(٧) أخرجه البخاري في الجهاد باب ٢٢، ١١٢، ١٥٦، ومسلم في الجهاد حديث ٢٠.
(٨) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٣، ٣٤، والجهاد باب ٢٠، والمغازي باب ٢٦، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>