للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللغة للنسمة كيف كانت، وأصله - والله أعلم - من غرة الوجه. قال أبو عبيد: الغرة عبد أو أمة. وقال غيره: الغرة عند العرب أنفس شيء يملك، فكأنه قد يكون هنا لأن الإنسان من أحسن الصور. وقال أبو عمرو: معناها الأبيض، ولذلك سميت غرة، فلا يؤخذ فيها أسود. قال: ولولا أن رسول الله أراد بالغرة معنى زائدًا على شخص العبد والأمة، لما ذكرها، ولقال عبد أو أمة. وقيل: أراد بالغرة: الخيار منهم، وضبطناه عن غير واحد: غرة بالتنوين على بدل ما بعدها منها، وأكثر المحدثين يروونه على الإضافة، والأول الصواب لأنَّه تبيين للغرة ما هي.

وقوله: أنْتُمُ الغُرّ المُحَجَّلُونَ مِنَ الوُضُوءِ (١) وَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ (٢)، وفي خيل غرّ محجلة (٣) الغرة بياض في وجه الفرس، والحجَلة في قوائمه، يريد أن سيماء أمته في القيامة في وجوهها ومواضع وضوئها، أما نور يشرق أو بياض تتبين به جماعتهم من بين سائر الناس، أو ما الله أعلم بذلك.

وقوله: تغرة أن يقتلا: بفتح الأولى والآخرة وكسر الغين وتشديد الراء، ومعناه: حذارًا وتغريرًا أي: مخاطرة لئلا يقتلا، وتغرة مصدر، ونصب تغرة بالمفعول له أو من أجله، قاله الأزهري. وقال الخليل: غرر فلان بنفسه: عرضها للمكروه، وهو لا يدري تغرير أو تغرة. وقال بعضهم: معنى قوله: تغرة أن يقتلا أي: عقوبتهما، وهذا بعيد من جهة اللغة والمعنى.

وقوله: أغار عليهم وهم غارّون (٤) أي: غافلون، والغر: بالكسر، والغرير: الغلام الذي لا علم عنده بالأمور بين الغرارة، والاسم الغرة: بالكسر والغرير أيضًا الكفيل، وأنا غريرك من فلان أي: كفيلك وغريرك منه أي: احذركه.

وقوله: لأن أغتر بهذه الآية ولا أقاتل (٥) يعني قوله ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾ [الحجرات: ٩] أحب إليّ من أن أغتر بالآية الأخرى يعني قوله ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا﴾ [النساء: ٩٣] عند ابن السكن فيه وهم وتغيير، والصواب هذا أي: أخاطر بتركي مقتضى الأمر بها، أحب إلي من أن أخاطر بالدخول تحت وعيد الآية الأخرى، والغرر: المخاطرة. ومنه: عش ولا تغتر، ومنه قوله تعالى ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: ٣٣] أي: يخادع ويخاطر ويتعرض للهلاك، ومنه نهي عن بيع الغرر (٦)، وهو الجهل بالمبيع أو ثمنه أو سلامته أو أجله، ومنه لا يغررك إن كانت جارتك أوضأ منك (٧) أي: لا تغتري بها وبحالها، وإدلالها على النبي لحبه لها وجمالها فتفعلي مثل فعلها فتقعي في الغرر والخطر والمكروه، ولا


(١) انظر البخاري في الوضوء باب ٣، ومسلم في الطهارة حديث ٣٤ - ٣٩ ومالك في الطهارة حديث ٢٨.
(٢) أخرجه البخاري في الوضوء باب ٣، ومسلم في الطهارة حديث ٣٤، ٣٥.
(٣) أخرجه مسلم في الطهارة حديث ٣٩.
(٤) أخرجه البخاري في العتق باب ١٣، ومسلم في الجهاد حديث ١.
(٥) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٨، باب ٥.
(٦) أخرجه مسلم في البيوع حديث ٤، ومالك في البيوع حديث ٧٥.
(٧) أخرجه البخاري في المظالم باب ٢٥، والنكاح باب ٨٣، ومسلم في الطلاق حديث ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>