للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تغلوا ولا تقصروا، واقربوا من الصواب والسداد.

وقوله: إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب (١). قيل: هو اقترابه من الساعة، كقوله: وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ (٢). وجاء في حديث آخر ما يبينه: إذا كان آخر الزمان، لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب. وقيل: تقارب الليل من النهار وهو اعتدال الزمان، وأما في حديث أشراط الساعة، يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر (٣)، فقد أشار الخطابي: أنه على ظاهره، وأنه قصر مددها. وقيل: معناه لطيب تلك الأيام حتى تقصر ولا تستطال، وأما في الحديث الآخر: يتقارب الزمان وتكثر الفتن وينقص العلم. فقيل: هو دنوّه من الساعة - كما تقدم - وهو أظهر. وقيل: هو قصر الأعمار. وقيل: تقاصر الليل والنهار بمعنى الحديث الأول. وقيل: تقارب الناس في الأحوال، وقلة الدين والجهل وعدم التفاضل في الخير والعلم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويكون أيضًا يتقارب هنا بمعنى: يردى ويسوء، لما ذكر من كثرة الفتن، وما دل عليه، ومنه شيء مقارب، بكسر الراء عند ابن الأعرابي. قال ثابت: وجميع أهل اللغة يخالفونه يقولونه: بالفتح.

وقوله: فجلسنا في أقرب السفينة (٤). قالوا: هو جمع قارب على غير قياس، وهي صغارها المتصرفة بالناس، وأسبابهم للسفن الكبار. وفي مصنف ابن أبي شيبة: في قوارب السفينة مبينًا، وحكى لنا شيخنا أبو بحر، عن شيخه القاضي الكناني: أن معنى أقرب السفينة أدانيها، كأنه يعني ما قرب إلى الأرض منها، وفي الرواية الأخرى في مسلم: فجلسنا في أخريات السفينة، وهو مما يحتج به. وفي الرواية الأخرى: فخرج بعضهم على لوح من ألواح السفينة، فقد يجمع بين هذه الروايات، ويكون مراده بالأقرب هذه الألواح، التي خرجوا عليها جمع: قرب وهي الخاصرة، فتكون هذه الألواح من جوانب السفينة، وأواخرها التي هي كالخواصر لها.

وقوله: إذا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا (٥)، تقرب العبد إلى ربه: بالطاعة له والعمل الصالح، وتقرب الله إلى عبيده: بهدايته إياهم وشرحه صدورهم، وتنبيهه على ما تقرب به إليه، وكأنّ المعنى: إذا قصد ذلك وعمله، أعنته عليه، وسهلته له، وأتيته مما طلب ما لم يحتسب، ويكون أيضًا: إذا تقرب إليَّ بالطاعة في الدنيا، جازيته في الآخرة بأضعافها، وسمي الثواب: تقربًا بمقابلة الكلام وتجنيسه، والشيء يسمى بما كان من سببه وأجله.


(١) أخرجه البخاري في التعبير باب ٢٦، ومسلم في الرؤيا حديث ٦.
(٢) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ٧، والمناقب باب ٢٥، والفتن باب ٤، ٢٨، ومسلم في الفتن حديث ١.
(٣) أخرجه البخاري في الأدب باب ٣٩، والاستئذان باب ٢٧، والفتن باب ٢٥، ومسلم في العلم حديث ١١، ١٢.
(٤) أخرجه مسلم في الفتن حديث ١١٩.
(٥) أخرجه البخاري في التوحيد باب ١٥، ٥٠، ومسلم في الذكر حديث ٢٠، ٢١، ٢٢، والتوبة حديث ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>