المصلحة التي روعيت في الفتوى الأولى، ولا يخفى أن تغير الفتوى هنا إنما هو تغيُّر في حيثيات الحكم لا تغير في الشرع، والحكم يتغير بحسب حيثياته ومناطه المتعلق به، وهذا أمر ظاهر.
الجانب الثاني: اعتبار قاعدة رفع الحرج:
أي: من الجوانب المهمة التي ينبغي أن يدركها الناظر في النوازل من خلال قاعدة مراعاة مقاصد الشريعة اعتبار قاعدة رفع الحرج:
نتناول في هذه القاعدة ما يلي:
١ - تعريفها وذكر أدلتها ومدى أهميتها في فقه النوازل:
يقصد بالحرج: كل ما يؤدي إلى مشقة زائدة في البدن أو النفس أو المال حالًا أو مآلًا.
إذن؛ فالمراد برفع الحرج: التيسير على المكلفين بإبعاد المشقة عنهم في مخاطبتهم بتكاليف الشريعة الإِسلامية.
وقد دلت الأدلة على رفع الحرج من الكتاب والسنة حتى صار أصلًا مقطوعًا به في الشريعة، كما في قوله تعالى:{مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}[المائدة: ٦]، وقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ"(١). فإذا تبين لنا قطعية هذا الأصل، وجب على المجتهد أن يراعي هذه القاعدة فيما ينظر فيه من وقائع ومستجدات، بحيث لا يفتي أو يحكم بما لا يطاق شرعًا من المشاق، كما يجب عليه أن يراعي الترخيص في الفعل أو الترك على المكلفين الذين تتحقق فيهم الأعذار والمسوغات الشرعية المبيحة لذلك، كما في الترخيص في الضروريات أو التخفيف لأصحاب الأعذار ورفع المؤاخذة عنهم.
(١) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، رقمه (٣٨).