للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وخلله، بل يمسك كتابَهُ سواه، ممن لعلَّهُ لا يوثق بما يقوله ولا يراه، وربما كان مع الشيخ من يتحدث معه أو غدا مستثقلًا نومًا أو مفكرًا في شؤونه حتى لا يعقل ما سمعه، ولعل الكتاب المقرؤ عليه لم يقرأه قط، ولا عَلِمَ ما فيه إلا في نوبته تلك، وإنما وجد سماعه عليه في حال صغره بخط أبيه أو غيره أو ناوله بعض متساهلي الشيوخ ضبائر (١) كتب، وودائع أسفار، لا يعلم سوى ألقابها، وأتته إجازة فيه من بلد سحيق بما لا يعرف، وهو طفل أو حَبَل حَبَلة لم يولد بعد ولم ينطق، ثم يستعار للشيخ كتاب بعض من عرف سماعه من شيوخه: أو يشتريه من السوق، ويكتفي بأن يجد عليه أثر دعوى بمقابلته وتصحيحه. ثم ترى الراحل لهذا الشأن، الهاجر فيه حبيب الأهل ومألوف الأوطان، قد سلك من التساهل طبقة من عدم ضبطه لكتابه، وتشاغله أثناء السماع بمحادثته جليسَه أو غير ذلك من أسبابه، وأكثرهم يحضر بغير كتاب، أو يشتغل بنسَخ غيره، أو تراه منجدلًا يغطّ في نومه، قد قنعا معًا في الأخذ (٢) والتبليغ بسماع هينمة لا يفهمان معنى خطابها، ولا يقفان على حقيقة خطئها من صوابها، ولا يكلمان إلا من وراء حجابها.

وربما حضر المجلس الصبيُّ الذي لم يفهم بعد عامة كلام أمه، ولا استقل بالميز والكلام لما يعنيه من أمره، فيعتقدون سماعه سماعًا، لا سيما إذا وفى أربعة أعوام من عمره، ويحتجون في ذلك بحديث محمود بن الربيع وقوله: (عقلت من النبي مجة مجها في وجهي وأنا ابن أربع سنين)، وروي (ابن خمس) (٣). وليس في عقله (٤) هذه المجة على عقله لكل شيء حجة، ثم إذا أكمل سماع الكتاب على الشيخ كتب سماع هذا الصبي في أصله، أو كتبه له


(١) الأضبارة، بالفتح والكسر، الحزمة من الصحف.
(٢) (قد قنعا معًا في الأخذ) ضمير المثنى يعود على الذي تشاغل مع جليسه بالمحادثة فكل منهما شغل الآخر عن الأخذ، وقنعا بسماع صوت لا يفهمان معناه.
(٣) متفق عليه بلفظ: خمس سنين (خ ٧٧، م ٣٣ م).
(٤) (في عقله) أي في إدراكه.

<<  <  ج: ص:  >  >>