للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى الثاني البيان وتمييز الجنس، وهو كثير أيضًا كقوله: ويل للأعقاب من النار (١)، ونعوذ بالله من فتنة المسيح، ومن كذا ومن كذا، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله (٢) ولا أحد أصبر على أذى من الله (٣) ولا أغير من الله (٤)، ومنه: كان أجود من الريح المرسلة (٥).

وقوله: وما أنت أعلم به مني (٦).

وقوله:

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (٧)

وهل تعلم الذي أعلم منك، ومن معانيها ابتداء الغاية، ومنه قوله: منك وإليك أو سمعته من رسول الله ، وحكى قوم من النحاة أنها تأتي لانتهاء الغاية من قولهم. رأيت الهلال من خلل السحاب، وقد يقال هذا في قوله : كما ترون الكوكب الدري الغابر من الأفق، وهذا غير سديد عندي، بل هو على الأصل في الابتداء أي: ابتداء ظهوره إلى من خلل السحاب، ومن معانيها تأكيد العموم والاستغراق، كقوله: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّه وَمَا مِنْ أَحَدٍ وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَة إِلَّا كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً (٨)، وبعضهم يسميها هنا زائدة كقوله: ما جاءني من أحد أي: أحد، وأبى ذلك سيبويه وقال قولك: ما رأيت أحدًا أو ما جاءني أحد قد يتأول أنه أراد واحدًا منفردًا، بل جاءه أكثر، فإذا قال من أحد أكَّد الاستغراق والعموم، وارتفع التأويل، هذا معنى كلامه ومن هذا المعنى. قوله: توضؤوا من عند آخرهم إنه للاستغراق وتأكيد العموم وليس من البر أن تصوموا في السفر (٩)، ومن معانيها استئناف كلام غير جنس الأول واستفتاحه، والخروج عن غيره كقول عائشة: وأثنت علي سودة ثم قالت: من امرأة فيها حدة. وقول مسلم تقدم الأخبار التي هي أسلم وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة، من هنا لابتداء الكلام واستفتاحه وتأتي بمعنى على، كما قال تعالى ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ [الأنبياء: ٧٧] أي عليهم. وفي الحديث: اقرأوا القرآن من أربعة سماهم: أي: على أربعة وقد تكون من هنا على بابها من ابتداء الغاية أي: اجعلوا ابتداء أخذكم وقراءاتكم من سماعكم منهم، كما قال في الحديث الآخر: خذوا وفي الآخر


(١) أخرجه البخاري في العلم باب ٣، ٣٠، والوضوء باب ٢٧، ٢٩، ومسلم في الطهارة حديث ٢٥ - ٢٨، ٣٠، ومالك في الطهارة حديث ٥.
(٢) تقدم الحديث مع تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري في الأدب باب ٧١، والتوحيد باب ٣، ومسلم في المنافقين حديث ٤٩، ٥٠.
(٤) أخرجه البخاري في الكسوف باب ٢، والتوحيد باب ١٥، ٢٠، والنكاح باب ١٠٧، وتفسير سورة ٦، باب ٧، وسورة ٧، باب ١، ومسلم في التوبة حديث ٣٢، ٣٣، ٣٤، ٣٥، ٣٦، ومالك في الكسوف حديث ١.
(٥) أخرجه البخاري في بدء الوحي باب ٥، ٦، والصوم باب ٧، والمناقب باب ٢٣، وبدء الخلق باب ٦، وفضائل القرآن باب ٧، والأدب باب ٣٩، ومسلم في الفضائل حديث ٤٨، ٥٠.
(٦) أخرجه الترمذي في الدعوات باب ٣٢.
(٧) تقدم بيت الشعر مع تخريج، وتخريج الحديث أيضًا.
(٨) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٨٣، وتفسير سورة ٩٢، باب ٦، ومسلم في القدر حديث ٦، ٧.
(٩) أخرجه البخاري في الصوم باب ٣٦، ومسلم في الصيام حديث ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>