للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقَالَ أبو الْعَبَّاس السّرّاج: لمّا انصرف قُتَيْبَةُ إِلَى الرِّيّ من بغداد سألوه أن يحدّثهم، فقال: أحدّثكم بعد أن أحضر مجلسي أَحْمَد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعليّ ابن المَدِينيّ.

قَالُوا: فإنّ عندنا غلامًا يسرد كلُّ ما حدَّثت به مجلسًا مجلسًا، قم يا أَبَا زُرْعة. فقام فسَردَ كل ما حدَّث به قُتَيْبَةُ [١] .

وقَالَ فَضْلك الصّائغ: دخلت المدينة فصرت إِلَى باب أبي مُصْعَب، فخرج إليَّ شيخ مخضوب، وكنتُ أَنَا ناعسًا، فحرّكني وقَالَ: يا مردريك [٢] من أَيْنَ أنت، إيش تنام؟

فقلت: أصلحك الله من الرِّيّ، من شاكرديّ [٣] أبي زُرْعة.

فقال: تركتَ أَبَا زُرْعة وجئتني! لقيت مالكًا وغيرَه، فَمَا رأت عيناي مثلَه.

قَالَ فَضْلَك: فدخلت على الرَّبِيع بمصر فقال: إنّ أَبَا زُرْعة آية. وإنّ الله تعالى إذا جعل إنسانًا آية أبانه من شكْله حَتَّى لا يكون له ثانٍ [٤] .

وقَالَ ابنُ أبي حاتم [٥] : نا أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل ابنُ عمّ زُرْعة أنّه سمع أَبَا زُرْعة يقول فِي مرضه الَّذِي مات فِيهِ: اللَّهمّ إنّي أشتاق إِلَى رؤيتك، فإنْ قَيِل لي: بأيّ عمل اشتقت إليّ؟ قلت: برحمتك يا ربّ.

وقد كان أبو زُرْعة يحطّ على أَهْل الرّأي ويتكلّم فيهم.

قال ابن أبي حاتم [٦] : سَمِعْتُ أَبَا زُرْعة يقول: قَالَ لي السَّريّ بْن مُعاذ، يعني الأمير: لو أنّي قبلت لأعطيت مائة ألف درهم قبل اللّيل فيك وَفِي ابنُ مُسْلِم من غير أن أحبسكم ولا أضربكم، بل أمنعكم من التّحديث.

سمعت أبا زرعة يقول: لو كانت لي صحّةُ بَدَنٍ على ما أريد كنت أتصدَّق بمالي كلّه، وأخرج إلى الثُّغُور، وآكل من المباحات وألزمها. ثم قال: إنّي


[١] تاريخ بغداد ١٠/ ٣٣٢.
[٢] مردريك: الشاب أو الفتى.
[٣] الشاكردي: التابع والتلميذ.
[٤] تاريخ بغداد ١٠/ ٣٣٠.
[٥] في تقدمة المعرفة ٣٤٦.
[٦] في تقدمة المعرفة ٣٤٧.