للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترجمة الإسفرائينيّ]

ويُعرف الإسْفَرَائينيّ المذكور بابن المعتمد، واسمه محمد بن الفضل بن محمد. وُلِد سنة أربع وسبعين وأربعمائة بأسفرايين، ودخل بغداد فاستوطنها.

وكان يبالغ في التّعصب لمذهب الأشعريّ. وكان بينه وبين الواعظ أبي الحسن الغزنويّ حسد وشنئان، وكان كلّ واحدٍ منهما ينال من الآخر على المِنْبر. فلمّا بويع الرّاشد باللَّه، وخرج عن بغداد، خرج معه أبو الفتوح إلى الموصل. فلمّا قُتِلَ الرّاشد سُئل المقتفيّ فيه، فإذن له في العَود إلى بغداد، فجاء وتكلم. واتفق مجيء الحسن بن أبي بكر النَيْسابوريّ فوعظ. ووجد الغَزْنَويّ فرصة، فكلَّم السّلطان في أبي الفتوح، فأصغي إليه.

وقال ابن الجوزيّ [١] : بَلَغَني أنّ السّلطان قال للحسن النَيْسابوريّ: تقلَّد دم أبي الفتوح حتّى أقتله. قال: لَا أتقلّد. فوكّل بأبي الفتوح حتّى أُخرج من بغداد. ووقف عند السّور خمسة عشر تركيًّا، شيّعه خلْق كثير، فلمّا وصلوا إلى السّور ضربتهم الأتراك، فرجعوا. وأرسل إلى هَمَذَان، ثمّ سُلِّم إلى عبّاس، فبعثه إلى إسْفَراين، واشترط عليه أنّه متى خرج من بلد أُهلك. وجاء حَمْوُه، والقاسم شيخ الرّباط، وأبو منصور الرّزّاز [٢] ، ويوسف الدّمشقيّ، وأبو النّجيب الشّهْرُزُوريّ إلى السّلطان يسألون فيه، فلم يلتفت إليهم. ونودي في بغداد أنّ لَا يذكر أحد مذهبًا، ولا يثير فتنة. فلمّا وصل أبو الفتوح إلى بسْطام تُوُفّي بها في ذي الحجَّة ودُفِن هناك.

قلت: ولمّا بَلَغَت ابن عساكر الحافظ وفاتُه أملى مجلسًا سمعناه بالاتّصال.

وعُمِل له العزاء في رباطه ببغداد، فحضره الغَزْنَويّ، فلامه بعض النّاس وقال: ما لك أظهرت الحزْن عليه وبكيت؟

قال: أنا بكيت على نفسي. كان يقال فلان وفلان، فعُدِم النّظير، ودنا الرحيل [٣] .


[١] في المنتظم ١٠/ ١١١ (١٨/ ٣٥- ٣٧ رقم ٤١٠٢) .
[٢] هكذا في الأصل، وفي المنتظم: «أبو منصور ابن البزّار» .
[٣] الكامل في التاريخ ١١/ ٩٧.