للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[عمل منبر الأقصى]]

وَقَدْ كَانَ الملك نور الدّين أنشأ منبرا برسم الأقصى قبل فتح بيت المَقْدِس طمعا فِي أن يفتتحه، ولم تزل نفسه تحدّثه بفتحه، وكان بحلب نجّار فائق الصَّنعة، فعمل لنور الدّين هَذَا المِنبر عَلَى أحسن نَعْتٍ وأجمله وأبدعه، فاحترق جامع حلب، فنُصب فِيهِ لمَّا جُدّد المنبر المذكور، ثُمَّ عمل النّجّار المذكور ويُعرف بالأخترينيّ، نسبة إلى قرية أخترين، محرابا من نسبة ذَلِكَ المنبر، فَلَمَّا افتتح السّلطان بيت المَقْدِس أمر بنقل المِنبر إلى جانب محراب الأقصى، فلله الحمد عَلَى هَذِهِ النِّعَم الّتي لا تُحصى [١] .

وَقَدْ كَانَتِ الفِرَنج بنوا عَلَى الصَّخرة كنيسة، وغيّروا أوضاعها وصوَّروها، ونصبوا مذبحا، وعملوا عَلَى موضع القدم قُبَّةً لطيفة مذهَّبة بأعمدة رخام، فخرّبت تِلْكَ الأبنية عَنِ الصَّخرة وأُبرزت. وكانت الفِرَنج قَدْ قطعوا منها قطعا، وحملوها إلى القُسْطَنْطِينيَّة وإلى صَقَلّية، حَتَّى قِيلَ كانوا يبيعونها بوزنها ذهبا.

وحضر الملك المظفّر تقيّ الدّين فحمل إليها أحمالا من ماء الورد فغسّلها بها، وكنس ساحاتها بيده، وغسّل جدرانها، ثُمَّ بخّرها بالطّيب [٢] .

وحضر الملك الأفضل ابن السّلطان ففرش فيها بُسُطًا نفيسة ورتَّب الأئمَّة، والمؤذّنين، والقُوَّام. ثُمَّ عيَّن السّلطان كنيسة صندجية وصيَّرها مدرسة للشّافعيَّة ووقف عليها وقوفا جليلة. وقرَّر دار البترك الأعظم رباطا للفقراء، ومحا آثار النّصرانيَّة، وأمر بإغلاق كنيسة قُمامة، ومنع النَّصارى من زيارتها.

ثُمَّ تقَّرر بعدُ على من زارها ضريبة تؤخذ منه.


[ () ] ابن الوردي ٢/ ٩٧، ٩٨، ومرآة الجنان ٣/ ٤٢٤، والبداية والنهاية ١٢/ ٣٢٣- ٣٢٧، والإعلام والتبيين ٣٣، ٣٤، وتاريخ ابن خلدون ٥/ ٣٠٩- ٣١١، والسلوك ج ١ ق ١/ ٩٦، ٩٧، وشفاء القلوب ١٢٨- ١٥١، وتاريخ ابن سباط ١/ ١٨٠، ١٨١.
[١] نهاية الأرب ٢٨/ ٤٥.
[٢] مشارع الأشواق ٢/ ٩٣٧.