للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفِرَنج زحفا شديدا، وأشرفوا عَلَى أَخْذَ البلد، فطلب المسلمون منهم الأمان عَلَى أن يُسلِّموا إليهم عكّا، ومائتي ألف دينار، وألفا وخمسمائة أسير، ومائة أسير منَ الأعيان، وصليب الصَّلبوت. فوقع الأمان عَلَى ذَلِكَ، وأخذوا رهائن عَلَى تمام القطيعة، وملكوا عكّا. فَلَمَّا كَانَ فِي ثامن رجب جاءت رُسُلُهم لذلك، فأحضر السّلطان مائة ألف دينار، وصليب الصَّلَبُوت، والأسارى، فأبوا إلّا جميع المال، واختلف الأمر نحو شهر، ثُمَّ كمل لهم المال، وأحضر صليبهم، وكانوا قد ظنّوا أنّ السّلطان فرَّط فِيهِ، فَلَمَّا عاينوه خرّوا لَهُ سُجَّدًا.

ثُمَّ ظهر للسّلطان غدرهم ومكْرهم، فتوقَّف فِي مضاء المقرّر [١] .

[رواية ابن شدّاد]

قَالَ ابن شدّاد فِي «سيرة صلاح الدّين» [٢] : «إنّ الّذين بعكّا بذلوا للفرنج البلد بما فِيهِ منَ السّلاح والآلات والمراكب، ومائتي ألف دينار، وخمسمائة أسير، ومائة أسير يقترحونهم معروفين، وصليب الصَّلَبُوت، عَلَى أن يخرجوا بأموالهم وأهلهم، ويعطوا للمركيس الَّذِي توسَّط بينهم أربعة آلاف دينار، فَلَمَّا وقف السّلطان عَلَى ذَلِكَ أنكره وعظُم عليه، وجمع أَهْل الرأي، واضطربت آراؤهم، وتقسَّم فكره، وعزم عَلَى أن يكتب تِلْكَ اللّيلة ينكر عليهم المصالحة، وبقي متردّدا، فلم يشعر إلّا وَقَدِ ارتفعت صلبان الكُفْر عَلَى البلد، ونارهم وشعارهم عَلَى السّور، وذلك ظُهْر يوم الجمعة سابع عشر من جُمادى الآخرة. وصاح الفرنج صيحة واحدة، وعظمت المصيبة على المسلمين،


[١] انظر عن سقوط عكا في: الفتح القسّي ٤٨٤- ٥٣٠، والنوادر السلطانية ١٥٥- ١٧٥، والكامل ١٢/ ٦٣- ٦٨، وتاريخ الزمان ٢١٩، ٢٢٠، وتاريخ مختصر الدول ٢٢٢، والمغرب ١٦٧- ١٧٠، وزبدة الحلب ٣/ ١١٩، ١٢٠، ومفرّج الكروب ٢/ ٢٦٠- ٢٦٨، والمختصر ٣/ ٧٩، والدرّ المطلوب ١٠٦- ١٠٩، ونهاية الأرب ٢٨/ ٤٣٢، ٤٣٣، ومرآة الزمان ٨/ ٤٠٨، والعبر ٤/ ٢٦١، ودول الإسلام ٢/ ٩٨، ٩٩، وتاريخ ابن الوردي ٢/ ١٠٣، والبداية والنهاية ١٢/ ٣٤١- ٣٤٥، وتاريخ ابن خلدون ٥/ ٣٢٥، ٣٢٦، والسلوك ج ١ ق ١/ ١٠٥، وشفاء القلوب ١٧٠، ١٧١، والنجوم الزاهرة ٦/ ٤٤- ٤٧، وتاريخ ابن سباط ١/ ١٩٦- ١٩٨، وتاريخ ابن الفرات ٤/ ٢/ ١٣- ٢٥.
[٢] المسمّاة «النوادر السلطانية في المحاسن اليوسفية» ١٤٢.