للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الْإِيمَان. فلمّا فعل ذلك، واستولوا على السّلاطين، بعد موت المهديّ، وفتح عَبْد المؤمن مَرّاكُش، أحضر اليهود والنّصارى وقال: أَلَسْتُم قد أنكرتم، يعني أوائلكم، بعثة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلّم، ودفعتم أن يكون هُوَ الرَّسُول الموعود به فِي كتابكم، وقلتم إنّ الّذي يأتي إنّما يأتي لتأييد شريعتنا وتقرير مِلّتنا؟ قَالُوا:

نعم. قال: فأين منتظركم إذا؟ سيَّما وقد زعمتم أنّه لا يتجاوز خمسمائة عام.

وهذه خمسمائة عام قد انتقضت لِمِلّتنا، ولم يأتِ منكم بشيرٌ ولا نذير. ونحن لا نقرّكم [١] على كُفركم، ولا لنا حاجة بجزيتكم، فإمّا الْإِسْلَام، وإمّا القتل.

ثمّ أجّلهم مدَّة لتخفيف أثقالهم، وبَيْع أملاكهم، والنّزوح عن بلاده.

فأمّا أكثر اليهود، فإنّهم أظهروا الْإِسْلَام تَقِيَّة، فأقاموا على أموالهم، وأمّا النّصارى فدخلوا إِلَى الأندلس، ولم يسلم منهم إلّا القليل. وخربت الكنائس والصّوامع بجميع المملكة، فَلَيْس فيها مشرِك ولا كافر يتظاهر بكُفْره إِلَى بعد السّتّمائة، وهو حين انفصالي عن المغرب.

قال عَبْد الواحد [٢] : وإنّما حمل أَبَا يوسف على ما صنعه بهم، يعني بالملثَّمين، شكُّه فِي إسلامهم. وكان يقول: لو صحّ عندي إسلامُهم لتركتهم يختلطون بْنا فِي أنكحتهم وأمورهم. ولو صحَّ عندي كُفْرهم لقتلتهم، ولكنّني متردِّد فيهم، ولم ينعقد عندنا ذمَّة ليهوديّ ولا نصرانيّ منذ قام أمر المصامدة، ولا فِي جميع بلاد المغرب بِيعة ولا كنيسة، إنّما اليهود عندنا يُظهرون الْإِسْلَام، ويُصلّون فِي المساجد، ويقرءون أولادهم القرآن جارين على مِلّتنا وسُنّتنا، والله أعلم بما تكنّ صدورهم.

قلت: ما ينبغي أن يسمّى هؤلاء يهود أبدا بل هُمْ مسلمون.

محنة ابن رُشْد

وسببها أنّه أخذ فِي شرح كتاب «الحيوان» لأرسطوطاليس فهذَّبه، وقال


[١] في الأصل: «لا نقرّنا» .
[٢] في المعجب ٣٨٣.